Книга - السعي من أجل البطولة

a
A

السعي من أجل البطولة
Morgan Rice


طوق الساحر #1
سلسلة طوق الساحر" لديها كل المقومات لتحقيق النجاح: المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة. سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. أوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية. " -- ناقد الأفلام والكتب: روبرتو ماتوس. الكتاب الأكثر مبيعا ذو الترتيب الأول, مع أكثر من 500 تعليق على موقع أمازون ! من صاحب الكتب الأكثر مبيعا يأتي المؤلف مورغان رايس لأول مرة بسلسلة جديدةٍ من الخيال المذهل. السعي من أجل البطولة (الكتاب الأول في "طوق الساحر") يروي لنا قصةً حول ملحمة قادمة لفتى استثنائي, في عمر الرابعة عشر من قريةٍ صغيرةٍ على أطراف مملكة الطوق. الولد الأصغر من أربعة فتية, الأقل تفضيلاً عند والده و المكروهٌ من إخوته, إنّه الفتى تورجرين الذي يشعر بأنه مختلف عن الآخرين. يحلم بأن يصبح محارباً عظيماً وينضم إلى رجال الملك ويحمي الطوق من حشود المخلوقات على الجانب الآخر من وادي كانيون. عندما بلغ العمر المحدد منعه والده من محاولة الانضمام إلى فيلق الملك, رفض أن يأخذ "لا" كجواب, فيسافر معتمداً على نفسه وقد عزم على شقّ طريقه إلى البلاط الملكي كي يبدأ بحياةٍ جديدة كالتي يحلم بها. ولكن بلاط الملك مليءٌ بدراما تشبه تلك التي في أسرته, صراع على السلطة و طموحات وغيرة و عنف و خيانة. يجب على الملك ماكجيل اختيار وريث من بين أولاده, و سيف القدر الذي تملك الأسرة الحاكمة الذي يشكّل مصدراً لكل قوتهم لا يزال باقياً دون أن يلمسه أحد في انتظار وصول الوريث المختار. تورجرين يصل كدخيل و ينضم للعديد من المعارك كي يكون مقبولاً و ينضم إلى فيلق الملك. تورجرين يبدأ بمعرفة القوى الغامضة لديه والتي لا يفهمها, و يعرف أن لديه هديةً خاصةً ومصيراً خاصاً. عكس كل التوقعات يقع في حب ابنة الملك, وعند ازدهار علاقتهم المحرمة يكتشف أن لديه العديد من المنافسين الأقوياء. وهو يسعى لتصبح قواه ذات معنى يأخذ ساحر الملك تحت جناحه ويخبره عن أمٍّ له لم يعرفها أبداً, في أرضٍ بعيدةٍ وراء الوادي و أبعد من أرض التنين. قبل أن يتمكن تورجرين أن يغامر بالخروج وراء الوادي و يصبح المحارب الذي يتوق أن يكون, لا بد له من استكمال تدريبه. ولكن ذلك لن يمر بسهولة عندما يجد نفسه مدفوعاً وسط الكثير من المؤامرات, تلك التي قد تهدد حبه وتؤدي إلى سقوطه وسقوط المملكة بأكملها معه. السعي من أجل البطولة ي حكاية ملحمية عن الأصدقاء والعشاق, عن المنافسين و الخاطبين, عن الفرسان و التنانين, عن المؤامرات والمكائد السياسية, عن بلوغ سن الرشد, عن القلوب المكسورة, عن الخداع, عن الطموح و الخيانة. إنها حكاية عن الشرف وعن الشجاعة, عن الشعوذة. بل هي الخيال الذي ينقلنا إلى عالم لن ننساه أبداً, والذي سوف يجذب جميع الأعمار و الأجناس. إنها 71000 كلمة. ملاحظة: استجابة لطلبات القراء, يتم تحرير الكتاب وتنقيحه مهنياً, و في هذا الملف تمّ تصحيح كل الأخطاء النحوية والمطبعية. الكتب # 3 - # 14 من هذه السلسلة متاحةٌ الآن أيضا! حبكة حماسية تنسج عناصر الإثارة والغموض في خط القصة. "السعي من أجل البطولة" هي كل شيء عن صنع الشجاعة وعن تحقيق هدف الحياة الذي يؤدي بالإنسان إلى النمو والنضج والتميز.. لأولئك الذين يبحثون عن المغامرات الخيالية وعن الأبطال والإثارة هذه السلسلة توفر مجموعة ضخمة من المواجهات التي تركز جيداً على تطور تور من طفل حالم إلى شاب بالغ يواجه الصعاب المستحيلة من أجل البقاء.. بما يعد أن يكون بداية سلسلة ملحمية لشاب بالغ







السعي من أجل البطولة



( الكتاب الأول في سلسلة "طوق الساحر" )



مورغان ريس



ترجمة: أويس ذو الغنى


عن الكاتب مورغان رايس



مورغان رايس هو مؤلف الكتاب الأكثر مبيعا "مجلة مصاصي الدماء " وهي سلسلة شباب بالغين تتألف من أحد عشر كتاباً (و النشر مال زال مستمراً); # 1 السلسلة الأكثر مبيعا "ثلاثية البقاء" وهي قصة رعب رهيبة تضم كتابين (و النشر مال زال مستمراً); و # 1 السلسلة الأكثر مبيعا ملحمة الخيال "طوق الساحر" تضم ثلاثة عشر كتاباً (و النشر مال زال مستمر).

كتب مورغان متوفرة في إصدارات سمعية ومطبوعة, وتتوفر باللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية واليابانية والصينية والسويدية والهولندية والتركية والمجرية والتشيكية والسلوفاكية (مع المزيد من اللغات قريباً).

(كتاب # 1 في مجلات مصاص الدماء ) السعي من أجل البطولة, ( كتاب رقم 1 في طوق الساحر) كلاهما متاحان للتنزيل مجاناً على متجر سوق بلاي !

مورغان يحب أن يسمع منك, لذلك لا تترد في زيارة www.morganricebooks.com (http://www.morganricebooks.com) للانضمام إلى قائمة البريد الإلكتروني لديه والحصول على الكتب مجاناً و تلقي الهدايا, قم بتحميل التطبيق مجاناً واحصل على آخر الأخبار الحصرية. تواصل معنا عبر الفيسبوك و تويتر وابقى على اطلاع بكلّ جديد !


بعض التعليقات المختارة عن مورغان رايس



"سلسلة "طوق الساحر" لديها كل المقومات لتحقيق النجاح :المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة. سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. أوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية."

-- ناقد الأفلام والكتب: روبرتو ماتوس.

"رايس يقوم بعمل عظيم بجذبكم للقصة من البداية, باستخدام نوعية تصويرية رائعة تفوق مجرد لوحة العرض... مكتوبة بشكل رائع و يمكن قراءتها بسرعة "

-- الناقد بلاك لاجون (بخصوص الصياغة)

"إنها قصة مثالية للقرّاء الشباب. مورغان رايس قام بعمل جيد بنسج التحول بشكلٍ مثير للاهتمام... منعش وفريد من نوعه. السلسلة تركز حول فتاة واحدة. ..فتاة واحدة غير عادية... سهلة القراءة لكن وتيرتها سريعة للغاية... تقييم PG "

-- The Romance Reviews ( (بشأن تغير الأحداث).

"جذبت انتباهي منذ البداية ولم أستطع التوقف حتى أكملتها... هذه القصة هي حكاية مذهلة ذات إيقاعٍ سريع و مليئة بالأحداث منذ البداية. لا يمكنك إيجاد أيّ أحداث تشعرك بالملل."

-- Paranormal Romance Guild (بشأن تغير الأحداث).

"القصة المليئة بالأحداث, الرومانسية و المغامرة و التشويق. سوف تضع يدك على قلبك أثناء قراءتها و ستقع في الحب من جديد."

-- vampirebooksite.com (بشأن تغير الأحداث).

"مؤامرة كبيرة فهذا هو النوع من الكتب الذي يجعلك لا تستطيع أن تتركه حتى تقوم بإنهائه. النهاية دائماً مشوقة و مذهلة و تجعلك تريد فوراً شراء الكتاب التالي من أجل أن ترى ما الذي سيحصل."

-- The Dallas Examiner (بشأن الحب).

"كتاب منافس لكتب TWILIGHT و VAMPIRE DIARIE, و أحد القص التي من شانها أن تجعلك ترغب في القراءة حتى الصفحة الأخيرة. إذا كنت من محبيّ المغامرة و مصاصي الدماء فهذا الكتاب مناسبٌ جداً بالنسبة لك."

-- Vampirebooksite.com (بشأن تغير الأحداث).

"يثبت مورغان ريس نفسه مرةً أخرى بأنه أحد الروائيين الموهوبين للغاية... و هذا يستقطب مجموعةً كبيرةً من الجمهور, بما في ذلك المتابعين المراهقين لهذا النوع من الخيال و مصاصي الدماء. تنتهي بتشويق غير متوقع يتركك بصدمةٍ كبيرة."

--The Romance Reviews (بشأن الحب).


طوق الساحر

السعي من أجل البطولة (1)

مسيرة الملوك (2)

مصير التنانين (3)

صرخة شرف (4)

قَسم الشرف (5)

ثمن الشجاعة (6)

طقس السيوف (7)

هبة الأسلحة (8)

سماء السحر (9)

بحر الدروع (10)

عهد الفولاذ (11)

أرض النار (12)

حكم الملكات (13)



ثلاثية البقاء

الميدان الأول (1)

الميدان الثاني (2)



يوميات مصاص دماء

التحول (1)

الحب (2)

الخيانة(3)

القدَر(4)

الأمل (5)

الوعد بالزواج (6)

المنذور(7)

الموجود (8)

البعث (9)

الشهوة (10)

القدر المحتوم (11)









حقوق التأليف والنشر © 2012 من قبل مورغان رايس, جميع الحقوق محفوظة. باستثناء ما هو مسموح به بموجب قانون حقوق النشر الأمريكي لعام 1976, لا يجوز نسخ أي جزء من هذا المنشور أو توزيعه أو نقله بأي شكل أو وسيلة, أو تخزينه في أنظمة التخزين واسترجاع البيانات دون الحصول على إذن مسبق من المؤلف. تم ترخيص هذا الكتاب الالكتروني لتسليتك الشخصية فقط . لا يجوز إعادة بيع أو منحه إلى أشخاص آخرين. إذا كنت ترغب في مشاركة هذا الكتاب مع شخص آخر يرجي شراء نسخة إضافية لكل مستلم. إذا قرأت هذا الكتاب دون شرائه أو لم يتم شرائه لاستخدامك الخاص فقط, يرجى إعادته وشراء نسختك الخاصة. أشكرك على احترام العمل الشاق لهذا الكاتب. هذا عمل خيالي. الأسماء والشخصيات والمؤسسات والأماكن والأحداث والحوادث إما هي نتاج خيال المؤلف أو تم استخدامها وهمياً. وأي تشابه مع أشخاص حقيقين, أحياء أو أموات, هو من قبيل الصدفة تماماً. حقوق طبع ونشر صورة غلاف الكتاب من قبل RazoomGame, وتستخدم بموجب ترخيص من Shutterstock.com.








المحتويات



الفصل الأول (#uba1f3014-59fd-4b7a-8f58-3bc6ac4959ec)

الفصل الثاني (#ue1794b15-505d-4e7c-bf3f-ed63cae264c2)

الفصل الثالث (#ub2a17afd-d7dc-4276-8321-ba47bf92fbea)

الفصل الرابع (#ue6c7fa3b-04c2-5f26-a598-553ca179d5a3)

الفصل الخامس (#ue178c049-daea-4e2d-af60-e7b841676b3d)

الفصل السادس (#uf5deac93-6023-4015-b92c-b729e370701e)

الفصل السابع (#litres_trial_promo)

الفصل الثامن (#litres_trial_promo)

الفصل التاسع (#litres_trial_promo)

الفصل العاشر (#litres_trial_promo)

الفصل الحادي عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثاني عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثالث عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الرابع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الخامس عشر (#litres_trial_promo)

الفصل السادس عشر (#litres_trial_promo)

الفصل السابع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثامن عشر (#litres_trial_promo)

الفصل التاسع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل العشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الحادي والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الثاني والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الثالث والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الرابع والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الخامس والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل السادس والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل السابع والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الثامن و العشرون (#litres_trial_promo)



"الرأس الذي يلبس التاج لا ينام مستريحاً."

ويليام شكسبير.









الفصل الأول


وصل الصبي إلى أعلى هضبةٍ في البلاد المنخفضة في المملكة الغربية من بلاد الطوق, أخذ يتطلّع إلى الشمال ويشاهد الخطوط الأولى من شروق الشمس. كان يرى التلال الخضراء المتموجة على امتداد نظره, ترتفع وتنخفض مثل أسنام الجمل في سلسلة من الوديان والقمم. الأشعة البرتقالية المحترقة القادمة من الشمس المتريّثة في سديم الصباح, مما يجعلها متألّقة, كانت تمنح ضوءً سحرياً يلائم مزاج الصبي. إنّه نادراً ما يستيقظ في هذا الوقت الباكر أو يغامر في الابتعاد عن المنزل إلى هذا الحد – ولم يصعد إلى هذا الارتفاع مسبقاً—وهو يعرف أنَّ ذلك سيكلفه غضب والديه, ولكن في هذا اليوم لم يكن مهتماً بذلك. في هذا اليوم تجاهل ملايين القواعد والواجبات التي كانت تضطهده خلال سنواته الأربعة عشرة. هذا اليوم كان مختلفاً, في هذا اليوم كان قد أتى مصيره.

الصبي تورجرين من المملكة الغربية في المقاطعة الجنوبية من عشيرة ماكلويد – والمشهور بين الجميع ببساطة بـ "تور" – كان أصغر الأولاد الأربعة وأقلّهم حباً من قِبل والديه. لقد بقيَ مستيقظاً طوال الليل في انتظار هذا اليوم, كان يتقلّب على السرير بعينين غائمتين ينتظر ويستعد لبداية إشراق الشمس. مثلُ هذا اليوم يأتي مرةً واحدةً كلَّ عدة سنوات وإذا غاب عن هذا اليوم فسيبقى عالقاً في هذه القرية ومحكومٌ عليه برعاية قطيع والده لبقية حياته. كان لا يستطيع تحمّل هذه الفكرة.

يوم التجنيد كان يوماً واحداً فقط يقوم فيه جيش الملك باستطلاع المحافظات واختيار المتطوعين لفيلق الملك. لم يحلم تور طوال حياته بأيِّ شيءٍ آخر. كانت الحياة تعني له شيئاً واحداً: الانضمام إلى مجموعة "الفضة" ,وهي فرقة النخبة من الفرسان الخاصة بالملك, مزيّناً بأفخم الدروع والأسلحة المختارة في أيّ مكان من المملكتين. لا يمكن لأحدٍ أن يدخل في "الفضة" دون الانضمام إلى الفيلق أولاً, أعمار المرافقين و حاملي الدروع من سرايا الجيش تتراوح بين الرابعة عشرة والتاسعة عشرة. لا يوجد طريقةٌ أخرى للانضمام إلى الفيلق سوى أن تكون واحداً من أبناء النبلاء أو المحاربين الشهيرين.

كان يوم التجنيد هو الاستثناء الوحيد, والذي يحدث نادراً كلَّ عدة سنين عندما يجوب الفيلق ورجال الملك الأرض بحثاً عن مجندين جدد. الجميع كان يعلم أنَّه سيتم اختيار قلّةٍ من العامّة فقط – وهذه القلّة فقط من ستكون في الفيلق.

تور كان يتابع الأفق باهتمام ويبحث عن أيّ إشارة لحركةٍ ما. كان يعلم أنَّ فرقة الفضة يجب عليها أن تأخذ هذا الطريق فقط إلى قريته وكان يريد أن يكون أوّل من يراهم. تجمعت الأغنام في كلِّ مكانٍ من حوله تهمهم بأصواتٍ مزعجةٍ وتدفعه لإعادتهم إلى أسفل الجبل, حيث اختار أن يقوم برعايتهم. حاول أن يوقف هذه الضوضاء والروائح الكريهة, كان عليه التركيز.

فكرة أنّه سيغادر هذا المكان في يومٍ ما هي التي جعلته يتحمل كلَّ هذه السنوات من رعاية القطيع و كونه خادماً لوالده وإخوته الأكبر سناً, ويتحمل الأعباء ويعتني بهم. في أحد الأيام عندما ستأتي مجموعة الفضة ويختارونه سوف يفاجئ جميع من استهان به, و بإشارةٍ سريعةٍ سوف يصعد إلى عربتهم ويقول وداعاً لكل هذا.

و بطبيعة الحال فوالدُ تور لم يأخذه أبداً على محمل الجِّد كمرشحٍ للفيلق, وفي الواقع لم ينظر إليه أبداً كمؤهلٍ لأيِّ شيء. وبدلاً من ذلك قامَ والده بتكريس حبه واهتمامه لإخوته الثلاثة الأكبر سناً. كان أكبرهم في سنِّ التاسعة عشرة والباقي كان بين كلٍّ منهم سنةٌ واحدةٌ, ما عدا تور الذي كان بينه وبين أخيه الأكبر ثلاث سنواتٍ. ثلاثةٌ منهم تمسكّوا ببعضهم البعض وبالكاد اعترفوا بوجود تور, ربما لأنّهم كانوا متقاربين في العمر أو ربّما لأنهم كانوا يشبهون بعضهم البعض ولم يكن أحدهم يشبه تور.

الأسوأ من ذلك أنهم كانوا أطول وأقوى منه, رغم معرفة تور بأنه لم يكن قصيراً كان يشعر بأنه صغير بجانبهم. كان يشعر بأنّ عضلات ساقيه هزيلة بالمقارنة مع عضلاتهم التي تشبه خشب البلوط. لم يقم والده بأي خطوة لمعالجة هذا, في الواقع بدى أنه يتلذذ بهذا, تاركاً تور لرعي الغنم وشحذ الأسلحة بينما تُرك أخوته للتدريب. كان لا يتحدث بهذا أبداً ولكنه كان مفهوماً دائماً بأن حياة تور ستمضي بلا معنى وهو يشاهد إخوته يحققون أشياء عظيمة. مصيره إذا مضى والده وإخوته في طريقهم, سيكون بالبقاء هنا, مسجوناً في هذه القرية وهو يقوم بخدمة عائلته و تقديم الدعم الذي تطلبه. الأسوأ من ذلك إحساس تور بشكل متناقض أن إخوته يشعرون بالتهديد من قبله, كان يحس في بعض الأحيان أنهم ربما يكرهونه أيضاً. كان تور يستطيع رؤية هذا في كل نظرةٍ منهم, وفي كل إشاراتهم. لم يكن يفهم كيف, لكنه أثار شيئاً ما فيهم, مثل الخوف أو الغيرة في نفوسهم. ربما كان هذا لأنه مختلف عنهم, لا يبدو مثلهم أو يتحدث بتصنعهم, حتى أنه لم يكن يلبس مثلهم, احتفظ والده بأفضل الأثواب الأرجوانية والقرمزية والأسلحة المذهبة لإخوته, بينما تُرك تور يرتدي الخرق الخشنة.

بالرغم من هذا, قدم تور أفضل ما لديه, بإيجاد طريقة تجعل ملابسه تناسبه, رابطا العباءة مع وشاح حول خصره, والآن كان موسم الصيف هنا, فقطع الأكمام و سمح للنسائم بمداعبة ذراعيه الخفيفتين. قميصه كان يتلاءم مع سرواله الكتان الخشن وزوج أحذيته الوحيد المصنوع من الجلد الأكثر فقرا بأربطة تصل إلى ساقيه. كانوا بالكاد من الجلد بالنسبة لأحذية إخوانه, لكنه جعلهما مناسبين. كان له زيٌّ نموذجي للرعاة.

لكن سلوكه لم يكن يشبه سلوك الرعاة. كان تور يقف بقامة طويلة هزيلة, و يملك فكّاً ضخماً وذقناً نبيلاً وعظام خدٍّ عالية وعيوناً رمادية, بهيئة تشبه محارباً مهجّراً. كان شعره البني يتموّج على رأسه, بعيداّ عن أذنيه, و عيناه تلمع في الضوء بجانب خصل شعره.

كان سَيُسمح لإخوته بالنوم في هذا الصباح, وسيُقَدم لهم وجبة دسمة, و يرسلون للاختيار مع أفضل الأسلحة بمباركة والده, بينما لم يكن سيسمح له بالحضور حتى. لقد حاول أن يناقش المسألة مع والده مرة واحدة, و لكن لم تسر الأمور على ما يرام. أنهى والده المحادثة دون مناقشة, لم يعد المحاولة مرة أخرى. لقد كان ذلك غير عادل أبداً.

كان تور عازماً على رفض المصير الذي خططه والده له. عند أول علامة من القافلة الملكية, سيركض عائداً إلى المنزل ليواجه والده, وشاء أم أبى سيجعل رجال الملك يعرفونه. سيقف مع الآخرين للاختيار و لن يستطيع والده منعه من ذلك. كان يشعر بضيق في صدره عند التفكير في ذلك. حين ارتفعت الشمس الأولى إلى الأعلى, و بدأت الشمس الثانية في الارتفاع, مضيفةً طبقة من الضوء إلى السماء الأرجوانية, استطاع تور أن يلاحظهم.

كان يقف بانتصاب و الخوف يملأ قلبه, بعواطف مثارة. هناك في الأفق, ظهرت خطوط لعربة تجرها الخيول, عجلاتها تركل الغبار إلى السماء. قلبه يدق أسرع من مجيئها, حتى أكثر من لمعان لونها الذهبي تحت الشموس, مثل سمكة فضية تقفز من الماء. بعد أن عدَّ اثنا عشر منهم, لم يعد بإمكانه الانتظار أكثر. عصف قلبه في صدره, ناسياً قطيعه لأول مرة في حياته, التفت تور و انطلق مسرعاً متعثراً أسفل التل, وعزم على عدم التوقف عند أي شيء حتى يعرّف عن نفسه لرجال الملك.

*

بالكاد كان تور يتوقف لالتقاط أنفاسه وهو مسرع إلى أسفل التلال, عبر الأشجار, تخدشه الأغصان دون أن يهتم. وصل إلى أرض خالية من الأشجار ورأى قريته منتشرة أمامه: بلدةٌ هادئةٌ مليئةٌ ببيوت من طابق واحد, والبيوت من الطين الأبيض مع أسقف من القش. ولكن كان يوجد عشرات الأُسر داخلها. كان يتصاعد الدخان من المداخن لأن معظمهم كان يعدّ وجبته الصباحية. كان مكاناً خلاباً, بعيداّ عن البلاط الملكي ركوب يوم كامل. مجرد قرية أخرى على أطراف الطوق, سن آخر من عجلة المملكة الغربية.

اندفع تور إلى نهاية الامتداد, إلى ساحة القرية, وهو يركل التراب أثناء ركضه. يدفع الدجاج والكلاب من طريقه, وامرأة عجوز جالسة قرفصاء خارج منزلها أمام قدرٍ من المياه التي تغلي, تهسهس في وجهه.

"على رسلك أيها الصبي!" قالتها رويداً كأنها تسابق الماضي, وهي تنثر التراب في نارها.

ولكن تور لن يستطيع الإبطاء أو التوقف من أجلها و لا من أجل أحدٍ غيرها. نزل إلى شارع جانبي, ثم إلى آخر, يلف وينعطف في طريق يحفظه عن ظهر قلب, حتى وصل إلى البيت.

كان منزلا صغيراً غريباً مثل منازل الآخرين, بجدرانه من الطين الأبيض وسقف من القش ذو زوايا. مثل معظم المنازل, غرفة واحدة مقسمة, والده ينام في جانب وإخوته الثلاثة ينامون في الجانب الآخر, وخلافاً لمعظم المنازل, كان فيه قن دجاج صغير في الخلف, وكان تور ينفى هناك للنوم. في البداية كان لديه مكان للمبيت مع إخوته, ولكن مع مرور الوقت كّبُر إخوته و أصبحوا أضخم و أكثر شراسة, ولم يتركوا له مجالاً في الغرفة للنوم معهم. ذلك سبب لتور الأذى ولكنه الآن يستمتع بالحيز الخاص به, مفضلاً أن يكون بعيداً عن وجودهم. وذلك أكدّ له أنه كان منفياً بالنسبة لعائلته على الرغم من معرفته أنه كذلك.

ركض تور إلى الباب الأمامي واندفع عبره دون توقف.

"أبي! صاح وهو يلهث." فرقة الفضة! إنهم قادمون!"

كان والده وإخوته الثلاثة جالسون منحنين على مائدة الإفطار, يرتدون أفضل ما لديهم. عند سماعهم كلماته قفزوا جميعهم واندفعوا إلى الخارج, يرتطمون بكتفيه وهم يركضون إلى الطريق.

تبعهم تور خارجاً, ووقفوا جميعهم يراقبون الأفق.

"لا أرى أحداً" أجاب ديريك أكبرهم, بصوته العميق. مع كتفين واسعتين وقصة شعر مثل إخوته, بني العينين ونحيل, بشفتين مستنكرتين عبس في وجه تور كما يفعل دائماً.

"لا أرى أحداً أيضا" ردد دروس, الذي يصغر ديريك بعام واحد و يكون دائماً بجانبه.

"إنهم قادمون!" صرخ تور. "أقسم بذلك!"

التفت إليه والده وأمسك كتفيه بقوة.

"وكيف يمكنك معرفة هذا؟" قال محتجاً.

"لقد رأيتهم."

"كيف؟ من أين؟"

تردد تور, لقد أمسك به والده. هو يعرف بالطبع المكان الوحيد الذي يمكن أن يرصدهم منه, إنه في أعلى الهضبة. الآن لم يكن تور يعرف كيف يرد.

"أنا...تسلقت الهضبة"

"مع القطيع؟ أنت تعرف أنها لا يجب أن تذهب إلى هذا الحد."

"لكن اليوم كان مختلفا, كان يجب أن أشاهدهم."

حملق والده بسخط إلى الأسفل.

"اذهب إلى الداخل فوراً و أحضر سيوف إخوتك وقم بتلميع أغمادهم, حتى يبدوا بأفضل مظهر قبل وصول رجال الملك."

انتهى والده منه, التفت إلى إخوته الذين وقفوا جميعهم في الطريق يبحثون.

"هل تعتقد أنه سيتم اختيارنا؟" سأل دورس, أصغر الثلاثة, و الذي يكبر تور بثلاث سنوات كاملة.

"سيكون من الغباء ألّا يفعلوا," قال والده. "إنهم يفتقرون للرجال هذا العام. لقد كان الاختيار ضعيفاً أو أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث. أنتم الثلاثة قفوا باستقامة فقط وأبقوا ذقونكم وصدوركم مشدودة. لا تنظروا مباشرة في أعينهم, و لكن لا تنظروا بعيداً أيضا. كونوا أقوياء و واثقين بأنفسكم, و لا تظهروا أي ضعف. إذا كنتم تريدون أن تكونوا في فيلق الملك, يجب أن تتصرفوا كأنكم بالفعل فيه."

"نعم, أبي." أجاب أولاده الثلاثة في آن واحد, وأخذوا الوضعية التي أمرهم والدهم بها.

التفت إلى الوراء وحملق بغضب في تور.

"لماذا لا تزال واقفاً هنا؟" سأل والده "اذهب إلى الداخل!"

تور وقف هناك, مشتتاً. لا يريد أن يعصي والده, لكنه يجب أن يتحدث إليه. خفق قلبه كما لو أنه بدأ بمناقشته. قرر أنه سيكون من الأفضل أن يطيعه, سيحضر السيوف ثم يواجه والده. عصيانه المباشر لن يساعده.

اندفع تور إلى المنزل, إلى الخلف حيث ألقيت الأسلحة. وجد سيوف إخوته الثلاثة, كلهم غاية في الجمال, متوجين بخيرة مقابض السيوف الفضية, إنها عطايا ثمينة عمل والده بكدّ من أجلها. أمسك بثلاثتهم, تفاجأ بوزنهم كما هو الحال دائماً وركض عائداً عبر المنزل حاملاً السيوف.

انطلق نحو إخوته وسلم كل منهم سيفه, ثم التفت إلى والده.

"ماذا, بدون تلميع؟" قال ديريك.

التفت والده إليه باستنكار, ولكن قبل أن يتمكن من قول أي شيء, تكلم تور.

"أبي, من فضلك, أريد التحدث إليك."

"أمرتك بتلميعهم.."

"من فضلك, أبي."

حملق والده مرة أخرى, يجادل. يجب أن يكون قد رأى الجدية على وجه تور, لأنه أخيراَ قال, "حسناً؟"

"أريد أن أؤخذ بعين الاعتبار و أذهب إلى هناك, مع الآخرين. للفيلق."

ارتفع صوت ضحكات إخوته من خلفه, الأمر الذي جعل وجهه يشتعل احمراراّ.

ولكن والده لم يضحك, على العكس من ذلك, ازداد عبوس وجهه.

"أنت؟" سأل والده.

تراجع تور إلى الخلف.

"أنا في الرابعة عشر, أنا مؤهل."

"إنه في الرابعة عشر," قال ديريك باستخفاف, من فوق كتفه. "إذا أخذوك, ستكون الأصغر بينهم. هل تظن أنهم سيفضلونك عن شخص مثلي أكبر منك بخمس سنوات؟"

"أنت وقح," قال دورس. "أنت دائماً هكذا."

التفت تور لهم. "أنا لا أسئلكم" قال تور.

التفت إلى أبيه, الذي ما يزال عابساً.

"أبي, رجاءً", قال تور. "أعطني فرصة, هذا كلّ ما أطلبه. أنا أعلم أنني ما زلت صغيراً, و لكنني سأثبت نفسي مع مرور الوقت."

هزّ والده رأسه بالنفي.

"أنت لست جنديا, أيها الفتى. أنت لست كإخوتك, أنت راعي. حياتك هنا, معي. ستقوم بواجباتك كلها بشكل جيد. ينبغي على المرء أن لا يحلم عالياً. ابني حياتك وتعلم أن تحبها."

شعر تور بقلبه ينكسر وكأنه يرى حياته تنهار أمام عينيه.

لا, قال وهو يفكر لا يمكن أن يحصل هذا.

"لكن أبي.."

"اصمت" صرخ بشدة. "هذا يكفي, ها قد جاؤوا. ابتعد عن الطريق, و الأفضل لك أن تلتزم أدبك وهم هنا."

اقترب والده ودفع تور إلى الجانب, كما لو كان شيئاً من الأفضل أن لا يُرى. اكتوى صدر تور بكفّ أبيه الضخم.

ظهر دويّ كبير, اندفع سكان المدينة خارج منازلهم, يملئون الشوارع. سحابةٌ من الغبار المتزايد تبشّر بقدوم القافلة. بعد لحظات وصلوا, اثنا عشر عربةً تجرها الخيول مع ضوضاء مثل الرعد العظيم.

جاؤوا إلى المدينة كجيش مفاجئ, توقفوا أمام منزل تور. قفزت أحصنتهم في المكان وهي تصهل. أخذت سحابة الغبار وقتا طويلاً حتى تلاشت. تور حاول بشغف سرقة نظرةٍ خاطفةٍ على دروعهم و أسلحتهم. لم يقترب من فرقة الفضة هكذا من قبل, كان قلبه يخفق بسرعة.

ترجل الجندي من على الحصان الرمادي. إنه هنا, عضو حقيقي من فرقة الفضة, مغطىً بدرع دائري لامع, ويحمل سيفاً طويلاً على حزامه. مظهره يوحي بأنه في الثلاثين من عمره, رجل حقيقي بلحيةٍ على وجهه, وندوب على خده, وأنف أعوج من المعارك.

كان هذا الرجل الأكثر أهمية الذي قد رآه تور طوال حياته, عريض المنكبين كالآخرين, مع طلعة تقول أنه في مهمةٍ ما.

قفز الجندي إلى آخر الطريق الترابي, خيله يجلجل وهو يقترب من صف الفتيان.

توقف الفتيان من أعلى وأسفل القرية بانتباه, على أمل. الانضمام إلى فرقة الفضة كان يعني حياة الشرف و المعركة و الشهرة, تعني المجد مع الأرض, و اللقب و الثروات. ذلك يعني أفضل عروس و أرضاً مختارة وحياة مجد. ذلك يعني تكريماً لعائلتك, دخول الفيلق كان الخطوة الأولى.

تمعن تور بالعربات الذهبية الكبيرة, وعرف أنها يمكن أن تحمل الكثير من المجندين. كانت مملكة كبيرة, وكان لديهم العديد من المدن لزيارتها. شعر بنفسه قد اختفى, عندما أدرك أنها فرصةٌ بعيدةٌ أكثر مما كان يتوقع. يجب أن يتغلب على هؤلاء الفتيان الذين كان كثير منهم مقاتلون كبيرون بجانب إخوته الثلاثة, كان يشعر أنه يغرق.

كان تور بالكاد يستطيع التنفس والجندي يسير بخطى في صمت, يدرس صفوف الطامحين. بدأ من الجانب البعيد من الشارع, ثمّ استدار ببطء. تور عرف كل الفتيان الآخرين. و بطبيعة الحال كان يعرف أن بعضاً منهم لا يريدون أن يتم اختيارهم, على الرغم من أسرهم تريد إرسالهم. كانوا خائفين جداً, لو حصل ذلك من الممكن يكونوا جنوداً رديئين.

كان قلب تور من الإهانة, لقد شعر أنه يستحق أن يُختار بقدر كل منهم. فقط لأن إخوته كانوا أكبر وأقوى منه لا يعني أنه لا يملك الحق في الترشح وأن يتمّ اختياره. كان يحترق من الكراهية لوالده, كان سينفجر خارج جسده كلما اقترب الجندي.

توقف الجندي أمام إخوته, لأول مرة. كان ينظر إليهم من الأعلى إلى الأسفل, وبدا معجباً. وصل إليهم أمسك واحداً من أغمادهم وانتزعه وكأنه يختبر مدى رسوخه.

كسر صمته بابتسامة.

"لم تستخدم سيفك في معركة من قبل, هل فعلت؟" سأل الفارس ديريك.

رأى تور أخوه ديريك متوتراً لأول مرة في حياته.

"لا يا سيدي. ولكنن استخدمته مرات عديدة في التدريب, وآمل أن.."

"في التدريب!"

زمجر الجندي مع الضحك, واتجه إلى الجنود الآخرين, الذين انضموا, ضاحكاً في وجه ديريك.

تحول وجه ديريك إلى الأحمر الفاقع. لم يرى تور أخوى ديريك محرجاً من قبل, بالعادة ديريك هو من يحرج الآخرين.

"حسناً يجب أن أخبر الأعداء بالخوف منك بالتأكيد, أنت الذي يحمل سيفه في التدريب!"

ضحك حشد الجنود مرة أخرى.

ثم التفت الجندي إلى إخوة تور الآخرين.

"ثلاثة فتيان من نفس العائلة" قال الجندي, وهو يفرك لحيته. "هذا يمكن أن يكون مفيداً. أنتم كلكم بحجم جيد و لكن من غير خبرة, ومع ذلك سوف تحتاجون المزيد من التدريب إذا كنتم ستنضمون إلى لائحتنا."

توقف الجندي.

"أعتقد أنه يمكننا أن نجد غرفة, "

أومأ إلى العربة الخلفية.

اصعدوا, وبسرعةٍ قبل أن أغير رأيي."

انطلق الأشقاء الثلاثة إلى العربة, مبتهجين. لاحظ تور أن والده كان مبتهجاً أيضا.

لكنه كان محبطاً وهو يشاهدهم يرحلون.

التفت الجندي وانتقل إلى المنزل التالي, لم يعد بإمكان تور الوقوف.

"سيدي!" صاح تور.

التفت والده وحدق في وجهه, لكن تور لم يعد يهتم.

وقف الجندي, ظهره لتور والتفت ببطء.

أخذ تور خطوتين إلى الأمام, قلبه ينبض, ويتمسك بصدره قدر ما يستطيع.

"لم تنظر إليّ يا سيدي."

كان الجندي مندهشاً, نظر إلى تور من الأعلى إلى الأسفل لعلها تكون مزحة.

"أنا لم انظر إليك؟" سأل الجندي وانفجر في الضحك.

انفجر رجاله في الضحك أيضاً. ولكن تور لم يهتم, كانت هذه لحظته. الآن أو أبداً.

"أريد الانضمام إلى الفيلق!" قال تور.

اقترب الجندي من تور.

"هل أنت الآن جاهز؟"

كان ينظر مستمتعاً, صمت قليلاً ثمّ أكمل حديثه.

"وهل وصلت إلى سنة الربعة عشر ؟"

"لقد فعلت, سيدي. قبل أسبوعين"

"قبل أسبوعين!" صرخ الجندي مع ضحك, كما فعل رجاله وراءه.

"في هذه الحالة, يجب على أعدائنا أن يرتعشوا أمامك."

شعر تور أنه يحترق من الإهانة, كان عليه أن يفعل شيئاً. لا يمكن أن يسمح بنهاية مثل هذه. بدأ الجندي بالمشي بعيداً ولكن تور لم يكن ليسمح بذلك.

اندفع تور إلى الأمام وصاح:" سيدي! إنك ترتكب خطأً!"

انتشر الفزع بين الحشد, عندما توقف الجندي وبدأ بالالتفاف ببطء.

الآن كان مقطب الحاجبين.

"صبي غبي," قال والده, وهو يشد تور من كتفه "عد إلى الداخل!"

"لا يجب ذلك!" صاح تور وانتفض عن قبضة والده.

اقترب الجندي من تور, بينما كان والده يتراجع إلى الخلف.

"هل تعرف عقوبة إهانة أحد أعضاء فرقة الفضة؟" رد الجندي بعنف.

ارتعد قلب تور, لكنه يعرف أنه لا يستطيع التراجع.

"أرجو أن تغفر له يا سيدي" قال والده. "إنه فتى صغير و.."

"أنا لا أتحدث إليك" قال الجندي. مع نظرة ثاقبة, أجبر والد تور على الابتعاد.

التفت الجندي إلى تور.

"أجبني" قال الجندي.

لم يعد تور قادر على الكلام, لم يكن هذا ما خطط له في رأسه.

"إهانة فرقة الفضة هي إهانة الملك نفسه," قال تور بخنوع, يتلو ما تعلم من ذاكرته.

"نعم" قال الجندي. "وهو ما يعني أنني أستطيع إعطاءك أربعين جلدة إذا أردت ذلك."

"لم أعني أي إهانة, سيدي" قال تور. "أريد فقط أن يتم اختياري, أرجوك. لقد حلمت بهذا طوال حياتي, من فضلك. اسمح لي بالانضمام إليكم."

نظر الجندي إليه, وببطء, اختفت تعابير وجهه. بعد فترة طويلة, هز رأسه.

"أنت فتى, شاب. لديك قلب شجاع, ولكنك غير مستعد. عد إلينا عندما تكون مستعداً."

التفت الجندي وبالكاد ألقى نظرة عابرة على الفتيان الآخرين, وبسرعة صعد على حصانه.

كان تور محبطاً وهو يشاهد القافلة تتقدم بأسرع مما وصلت كانت قد اختفت.

آخر ما رآه تور كان إخوته, جالسون في الجزء الخلفي من العربة الماضية. ينظرون في وجهه, مستنكرين و ساخرين.

كانوا يُأخذون بعيداً أمام عينيه, بعيداً عن هنا, إلى حياة أفضل.

في داخله شعر تور أنه يموت.

بينما كان الحماس يتلاشى من حوله, انسل القرويين إلى منازلهم.

"هل تدرك كم أنت ولد غبي وأحمق؟" قال والد تور بعنف وهو ممسك بكتفيه. "هل تدرك أنك أفسدت فرص إخوتك؟"

أبعد تور يد والده بعيداً عنه بقوة, اقترب والده منه مرة أخرى و ضربه بظهر يده على وجهه.

شعر تور بلسعتها وحملق في والده بغضب. وجزء منه, لأول مرة يريد أن يضرب والده, و لكنه أمسك نفسه.

"اذهب وأحضر غنمي. الآن! وعندما تعود لا تتوقع مني وجبة. لقد خسرت وجبتك اليوم, وفكر بما قد فعلت اليوم."

"ربما يجب ألّا أعود أبداً!" صرخ تور وهو يلتفت ويندفع بعيداً عن منزله, نحو التلال.

"تور!" صاح والده. قليل من القرويين توقفوا على الطريق يشاهدون.

بدأ تور بالهرولة, ثم بدأ بالركض, راغباً بالابتعاد عن هذا المكان قدر الإمكان. لقد لاحظ بالكاد أنه يبكي, دموعه تغرق وجهه, وكأن كل أحلامه قد سقطت أرضاً.









الفصل الثاني


تجول تور في التلال لساعات, وهو مضطرب, حتى اختار تلةً و جلس عليها. تقاطعت يداه عبر قدميه, وهو يتأمل الأفق. كان يشاهد العربات تختفي, ويشاهد سحابة الغبار التي بقيت لساعات بعد اختفائها.

لن يكون هناك المزيد من أيام الاختيار هذه. الآن قدره أن يبقى في هذه القرية لعدة سنوات, في انتظار فرصة أخرى.... إذا عادوا أصلاً. و إذا سمح له والده حتى بذلك. الآن سيكون هو ووالده فقط في المنزل, و سيصب والده جام غضبه عليه. إنه سيكمل حياته خادماً لوالده, قد تمضي السنوات, وقد ينتهي به المطاف كوالده, عالقاً هنا في حياة صغيرة وضيعة, بينما يكتسب إخوته المجد والشهرة.

اشتعلت شرايينه مع الإهانة من كل ذلك, لم تكن هذه الحياة التي كان من المفترض أن يعيشها. إنه يعرف ذلك.

عصف دماغه بكل الأفكار التي يمكن أن يفعلها, بكل الطرق التي يمكن أن يغير به هذا. ولكن لم يكن هناك شيء.

بعد ساعات من الجلوس, زاد اكتئابه و بدأ عبور طريقه المألوف حتى التلال, أعلى وأعلى. لا محالة أنه انجرف عائداً نحو القطيع, إلى الربوة العالية. كل ما ارتفع متسلقاً, انخفضت الشمس الأولى في السماء و وصلت الثانية إلى ذروتها, ملقيةً لوناً مخضراً.

أخذ تور وقته وهو يمشي متمهلاً, مزيلاً مقلاعه عن وسطه, قبضة من الجلد باليةً جيداً من سنوات من الاستخدام. وصل إلى كيس مربوط بفخذه ولمس مجموعته من الحجارة, كل منها أكثر نعومة من الأخرى, لقد انتقاهم من صفوة الخلجان. في بعض الأحيان يقذفها على الطيور, و أحياناً أخرى على القوارض. كانت هذه عادته على مدى سنوات. في البداية, كان يخطأ بإصابة كل شيء, ثمّ في إحدى المرات, ضرب هدفاَ متحركاَ. منذ ذلك الوقت أصبح لا يخطئ هدفه. الآن, قذف الحجارة أصبح جزءً منه, يساعده على تفريغ بعضٍ من غضبه. قد يستطيع إخوته أرجحة السيف خلال قطع الأخشاب, ولكنهم لا يمكن أن يصيبوا طيراً محلقاً بحجر.

وضع تور حجراً في المقلاع, انحنى إلى الخلف و قذفها بكل ما لديه من قوّة, متظاهراً بأنه يرميها على والده. ضرب غصن شجرة بعيدة, وقعت إلى الأسفل مباشرةً. عندما اكتشف أنه يستطيع قتل الحيوانات المتحركة, توقف عن استهدافها, خائفاً من قوته و لم يرغب بأن يؤذي أحداً, الآن أهدافه فروع الأغصان. إلا إذا كان ثعلب أتى وراء قطيعه بالطبع. مع مرور الوقت, تعلم أنك يبقيه بعيداً, و كنتيجةٍ لذلك كانت أغنام تور الأكثر أماناً في القرية.

يفكر تور أين سيكون إخوته في الوقت الراهن, وهو يحترق. بعد يوم من المسير سيصلون إلى بلاط الملك. لم يتمكن من تصور ذلك. هو يراهم يصلون في جلبة كبيرة, أناس يرتدون أجود الملابس, يحيوهم. المحاربين يحيوهم, إنهم أعضاء من فرقة الفضة.

ربما سيُأخذون, ويُعطون مكان للعيش في ثكنة الفيلق, ومكاناً للتدريب في ميادين الملك باستخدام أجود الأسلحة. ريما سيعينون حرساً لفارسٍ مشهور. يوم ما, ربما سيكونون بأنفسهم فرساناً مشهورين, ويحصلون على أحصنة خاصةٍ بهم, وستر خاصة للأسلحة, وسيكون لديهم حرسهم الخاص. ربما سيشاركون في جميع المهرجانات ويتناولون العشاء على مائدة الملك. إنها حياة كريمة. انزلق المقلاع من قبضته.

وقف تور بجسده الهزيل, وحاول طرد كل هذا من عقله لكنه لم يستطع. كان هناك جزءٌ منه, جزء كبير, يصرخ في وجهه, يخبره بألّا يستسلم, فلديه مصيرٌ أكبر من ذلك. لم يكن يعرف ما يجب أن يفعله, لكنه يعرف أنه ليس عليه أن يبقى هنا. كان يشعر بأنه مختلف, حتى أنه مميز. أن لا أحداً يفهمه, و أنهم جميعاً يستهينون به.

وصل تور إلى أعلى الهضبة, يراقب قطيعه. إنها مدربة بشكل جيد, لا يزالون مجتمعين جميعهم, يلتهمون بعيداً قانعين بأي عشب قد تمكنوا من العثور عليه. كان يعدّهم, ويبحث عن العلامات الحمراء التي وضعها على ظهورهم. وفجأة تجمد حين انتهى من عدهم, أحد الأغنام مفقود.

لقد عدهم مرة أخرى, ومرة ثالثة. لم يستطع تصديق ذلك, واحد منهم قد اختفى. لم يخسر تور أغناماً من قبل, لن يسمح له والده بالعيش بعد هذا.

الأسوأ من ذلك, كان يكره فكرة أن واحدةً من أغنامه مفقودة, وحدها, ضعيفةً في البرية, كان يكره أن يرى أي معاناةٍ لبريء.

هرع تور إلى أعلى الربوة, تفحص الأفق حتى لمح شيئاً بعيداً. على بعد العديد من التلال, النعجة الوحيدة, والعلامة الحمراء على ظهرها. كان النعجة الجامحة من القطيع. وقع قلبه حين أدرك أن النعجة لم تهرب فقط, ولكنها اختارت, من بين كل الأماكن, التوجه إلى الغرب, إلى الغابة المظلمة.

ابتلع تور ريقه. الغابة المظلمة محظورةٌ ليس فقط على الأغنام, ولكن على البشر أيضاً. كانت أبعد من حدود القرية, و خلال لحظة بدأ تور بالمشي, يعرف أنه يجب ألّا يغامر هناك. لم يسبق له الذهاب إلى هناك أبداً, تقول الأسطورة, أن الموت هناك محتم. الغابة لا يوجد فيها علامات مميزة وتملئها الحيوانات الشرسة.

نظر تور إلى السماء المظلمة, يقلّب الأفكار في رأسه, لا يستطيع السماح للنعجة بالذهاب, تخيل أنه إذا تحرك بسرعة, سيتمكن من أن يعيدها في الوقت المناسبة.

بعد نظرة أخيرة إلى الوراء, التفت واندفع يعدو بسرعة, متجهاً إلى الغرب, إلى الغابة المظلمة, حيث تجمعت الغيوم الكثيفة في الأعلى. كان لديه شعور بالخوف, و لكن بدى أن ساقيه ماتزال تستطيع حمله. كان يشعر بأن هناك لا عودة إلى الوراء, حتى لو أراد ذلك.

كان يشبه الركض في كابوس.

*

أسرع تور إلى أسفل التلال دون توقف, إلى المظلة السميكة من الغابة المظلمة. انتهت الممرات حين بدأت الأشجار, وركض نحو مناطق ليس فيها علامات مميزة, وهو يسحق أوراق الصيف تحت قدميه.

لحظة دخوله الغابة غرق في الظلام, كانت أشجار الصنوبر الشاهقة تحجب الضوء و أيضاً كان الجو أبرد هنا. بينما كان يعبر عتبة المكان شعر بالقشعريرة تسري في بدنه, لم يكن من الظلام فقط أو البرد, كان من شيء آخر. شيءٌ لا يستطيع تسميته, كان شعورٌ بأنه مُراقب. نظر تور إلى الأغصان القديمة, شرسة وأكثر سماكة منه, تتمايل وتئن تحت النسيم. كان قد مشى بالكاد خمسين خطوة في الغابة حتى بدأ يسمع أصوات الحيوانات الغريبة. التفت وبالكاد رأى المكان الذي قد دخل منه, لقد شعر بالفعل أنه لم يكن هناك طريقة للخروج, لقد تردد.

تقع هذه الغابة على أطراف المملكة و على أطراف الأماكن التي يعلمها, شيءٌ غامض وعميق. أيّ راعي فقد أغنام في هذه الغابة لم يجرؤ أبداً على المخاطرة في الدخول خلفها, حتى والده. الحكايات عن هذا المكان مظلمة جداً, ومستمرة أيضاً.

ولكن كان هناك شيء مختلف في هذا اليوم جعل تور لم يعد يهتم, جعله يتخلى عن حذره. جزءٌ منه أراد أن يكسر الحدود, للابتعاد عن المنزل قدر المستطاع, ليسمح للحياة بأخذه حيثما تشاء.

لقد تجرأ على الابتعاد أكثر, ثم توقف, غير متأكد أين يذهب. لاحظ العلامات والأغصان حيث يجب أن تكون نعجته ذهبت, وتحول إلى ذلك الاتجاه. بعد مرور بعض الوقت, التفت مرة أخرى.

بعد مرور ساعةٍ أخرى, كان ضائعاً بشكل ميؤوس منه. حاول أن يتذكر من أي اتجاه أتى, لكنه لم يعد متأكداً. بدأ يشعر ببعض الخوف في قلبه, ولكنه تخيل بأن السبيل الوحيد للخروج هو المضي قدماً, لذلك استمر في ذلك.

من بعيد, رصد تور بصيص أشعة شمس. وجد نفسه أمام أرض خالية من الأشجار, وقف عند حافتها و تجمد, لم يستطيع تصديق ما يرى أمامه.

كان واقفاً هناك و ظهره لتور, يلبس رداءً طويلاً من الحرير الأزرق. كان رجلاً. لا, ليس رجلاً. تور يشعر بذلك من هنا, كان شيئاً آخر. ربما كاهناً. كان طويلاً ومستقيماً و رأسه مغطى بقلنسوة, مازال واقفاً تماماً بمكانه كأنه ليس لديه اهتمام بما يحصل من حوله.

لم يعرف تور ماذا يفعل. لقد سمع عن الكهنة من قبل, ولكنه لم يتعرف على أحد منهم. من العلامات التي على ثوبه و تطريز الذهب المفصل, كان هذا ليس مجرد كاهن, كانت تلك علامات ملكية. تعود للبلاط الملكي. لم يستطع تور فهم ذلك. ماذا يفعل كاهن ملكي هنا؟

بعد مرور بعض الوقت الذي شعر بأنه دهر, التفت الكاهن ببطء و واجهه. بينما كان يفعل ذلك استطاع تور رؤية وجهه. و أخيراً التقط أنفاسه, لقد كان واحداً من الوجوه الأكثر شهرة في المملكة, الكاهن الشخصي للملك. أرجون, مستشار ملوك المملكة الغربية لقرون. ماذا كان يفعل هنا, بعيداً عن البلاط الملكي, في وسط الغابة المظلمة, كان لغزاً. وتساءل تور لو كان يتخيل ذلك.

"عيناك لا تخدعك," قال أرجون وهو يحدق مباشرةً في تور.

كان صوته عميقاً و قديماً, كما لو أن الأشجار تتحدث بنفسها. بدا أن عيونه الكبيرة الشفافة تخترق تور وتجمع ما في داخله. شعر تور بطاقة هائلة تشع من الكاهن, كما لو أنه يقف أمام الشمس.

ركع تور على ركبته فوراً وأحنى رأسه.

"سيدي,أنا آسف لإزعاجك." قال تور.

إن عدم الاحترام اتجاه مستشار جلالة الملك يؤدي إلى السجن أو الموت. هذه الحقيقة كانت راسخة في تور منذ ولادته.

"قف أيها الفتى," قال أرجون. " إذا أردتُ أن تركع على ركبتيك, سأخبرك بذلك."

وقف تور ببطء ونظر إليه. خطى أرجون عدة خطواتٍ مقترباً منه. وقف وحدق في تور, حتى بدأ تور يشعر بعدم الارتياح.

"أنت تملك عيون أمك," قال أرجون.

أصيب تور بالصدمة, لم يلتقي بأمه من قبل, ولم يلتق بأيّ أحد يعرفها, إلا والده. لقد قيل له أنها ماتت في والدته, وهو الأمر الذي كان يشعر تور بالذنب. كان دائما يتوقع أن هذا هو السبب في كره عائلته له.

"أعتقد أنك تظنيني شخصاً آخر," قال تور "ليس لدي أم."

"ليس لديك؟" سأل أرجون مع ابتسامة. "هل ولدت من رجل بمفرده؟"

"كنت أعني أن أقول, سيدي, أن أمي ماتت عند ولادتي. أعتقد أنك مخطئ بي."

"أنت تورجرين, من عشيرة ماكلويد. أصغر أشقاءك الأربعة, الفتى الذي لم يتم اختياره."

اتسعت عينا تور. إنه لا يكاد يعرف كيف حصل هذا. أن شخصاً من مكانة أرجون ينبغي أن يعرف من يكون, كان ذلك أكثر مما يستطيع فهمه. لم يكن يتخيل من قبل أنه كان معروفاً من قبل أحد ما خارج قريته."

"كيف.. تعرف هذا؟"

ابتسم أرجون مرة أخرى ولكنه لم يجب.

لقد امتلئ تور فجأة بالفضول.

"كيف.." أضاف تور, وهو يتلعثم بالكلمات, "...كيف تعرف أمي؟ هل سبق لك رؤيتها؟ من كانت؟"

التفت أرجون و مشى بعيداً.

"الأسئلة لوقت آخر," قال الكاهن.

كان تور يشاهده وهو يذهب, في حيرة. كان لقاءً مذهلاً وغامضاً, لقد حدث كل شيء بسرعة. لقد قرر بألًا يترك أرجون يغادر, أسرع خلفه.

"ماذا تفعل هنا؟" سأل تور, مسرعاً للحاقه. استخدم أرجون عصاه, لقد كان شيئاً عاجياً قديماً, مشى بسرعة.

"أنت لم تكن تنتظرني, أليس كذلك؟" قال تور.

"فمن كنت انتظر؟" سأل أرجون.

سارع تور للحاق به, يتبعه في الغابة, وترك وراءه الأرض الفارغة.

"ولكن لماذا أنا؟ كيف عرفت أنني سأكون هنا؟ ما الذي تريده؟"

"الكثير من الأسئلة" قال أرجون. "يجب عليك الاستماع بدلاً من ذلك".

تبعه تور بينما كان يواصل طريقه خلال الغابة الكثيفة, و هو يبذل ما بوسعه من أجل التزام الصمت.

"جئتَ باحثاً عن نعجتك المفقودة" قال أرجون. "جهدٌ نبيل, لكنك تضيع وقتك. إنها لن تبقى على قيد الحياة"

اتسعت عينا تور.

"كيف تعرف ذلك؟" قال تور.

"أنا أعلم عوالم لن تعرفها أبداً, يا فتى. على الأقل ليس بعد."

تساءل تور وهو يواصل محاولة اللحاق به.

"أنت لن تستمع, بالرغم من أنها طبيعتك. عنيد. مثل أمك, ستظل عازما على إنقاذ غنمتك."

احمر وجه تور لقراءة أرجون أفكاره.

"أنت صبي مشاكس," أضاف أرجون. "قوي الإرادة و فخور جداً. صفات إيجابية, ولكن يوم ما ربما ستكون سبباً في سقوطك."

بدأ أرجون بتسلق سلسلة من التلال, يتبعه تور.

"تريد الانضمام إلى فيلق الملك" قال أرجون.

"نعم!" أجاب تور بحماس." هل هناك أي فرصة لي؟ يمكنك تحقيق ذلك؟"

ضحك أرجون, بصوت عميق, وأجوف أدخل البرد إلى عظام تور.

"يمكنني أن أفعل كل شيء ولا شيء سيتغير, مصيرك مكتوب بالفعل. ولكن الأمر متروك لك لاختيار ذلك."

لم يفهم تور.

وصلوا إلى أعلى التلال, حيث توقف أرجون و واجهه. وقف تور على بعد أقدام فقط, وقد أحرقته قوة أرجون.

"مصيرك هو شيء مهم," قال أرجون" لا تتخلى عنه".

اتسعت عينا تور. مصيره؟ مهم؟ لقد شعر بنفسه يرتفع بالفخر.

"أنا لا أفهم, أنت تتكلم بالأحاجي. أرجوك, أخبرني المزيد."

اختفى أرجون.

انخفض فم تور مفتوحاً. نظر في كل اتجاه, يستمع, يتساءل. هل تخيل كل هذا؟ هل كان هذا وهماً؟.

التفت تور ونظر بتمعن إلى الغابة, من هذه النقطة في أعلى التلال, يستطيع أن يرى أبعد من ذي قبل. شاهد حركة من بعيد. لقد سمع ضوضاء و شعر بأنها نعجته بالتأكيد.

نزل أسفل التلال وسارع في اتجاه الصوت, عائداً إلى الغابة. كما ذهب, إنه بالكاد يتصوّر أن لقاءه مع الكاهن قد حدث. ماذا كان كاهن الملك يفعل هنا, دوناً عن كل الأماكن؟ كان ينتظره, ولكن لماذا؟ وماذا كان يقصد حين تكلم عن مصيره؟.

كلما يحاول تور أكثر لاكتشاف ذلك, يفهم أقل. لقد حذره أرجون من المتابعة بينما كان يغريه في ذلك. الآن, وقد ذهب, شعر تور بشعور متزايد من أنّ هناك نذيرٌ ما, و كأن شيئاً مهماً على وشك أن يحدث.

التفت تور وفجأة توقف متجمداً في مكانه بسبب الذي يراه أمامه. جميع كوابيسه السيئة تأكدت له في لحظة واحدة, توقف شعره رأسه. وأدرك أنه ارتكب خطأً فادحاً في دخوله بهذا العمق في الغابة المظلمة.

أمامه, بالكاد ثلاثين خطوة, كان سايبولد. حيوانٌ ضخمٌ ذو عضلات, يقف على أربعة قوائم و حجمه يقارب حجم الحصان, كان الحيوان الأكثر رعباً في الغابة المظلمة, و ربما حتى في المملكة كلها. لم يرى تور واحداً من قبل, ولكنه سمع عنه الأساطير. أنه يشبه الأسد, ولكنه كان أكبر وأضخم, جلده قرمزي داكن وعيناه صفراوتان.

تقول الأسطورة أنه اكتسب اللون القرمزي من دماء الأطفال الأبرياء.

لقد سمع تور القليل من الروايات عن هذا الوحش طيلة حياته, وكان يعتقد حتى أنه مشكوكٌ فيها. ربما لأنه لم ينجو أحد في أي وقت مضى من مواجهته. يعتبر البعض أن سايبولد هو إله الغابة, و أنه نذير. نذير ماذا؟ لم يكن لدى تور أي فكرة.

عاد إلى الوراء خطوة بحذر.

سايبولد, بفكه الضخم النصف مفتوح, وأنيابه التي يقطر منها اللعاب, يحدق بعينيه الصفراوتين. كانت نجعة تور المفقودة في فمه, تصرخ, معلقة رأس على عقب, ونصف جسمها مثقوب بأنيابه. كانت على وشك على تموت. بدا سايبولد أنه يستمتع في قتلها, يأخذ وقته, وبدا أن تعذيبها يفرحه.

لم يستطع تور الصمود أمام الصرخات. النعجة تتلوى, بلا حول ولا قوة, شعر أنه المسؤول عنها.

كان الحافز الأول لتور هو الالتفاف والهروب, ولكن كان يعلم أنه سيكون بلا جدوى. هذا الوحش يمكن أن يتغلب على أي شيء. ربما سيدفعه هروبه للحاق به, وهو لا يمكن أن يترك نعجته أن تموت هكذا.

لقد كان واقفا دون حراكٍ من الخوف, عرف أنه سيضر إلى فعل شيء ما.

ردود فعله استغرقت بعض الوقت, تسللت أصابعه ببطء إلى حقيبته. أخرج الحجر, ووضعها في مقلاعه, ويده ترتجف. قام بالاستعداد و أخذ خطوة إلى الأمام, ثمّ قذف.

طار الحجر خلال الهواء وأصاب هدفه, رميةٌ مثالية. أصابت النعجة في مقلة عينها, واندفعت من خلال دماغها.

ترنحت النعجة, ثم ماتت. لقد أنهى تور معاناتها.

حملق السايبولد, كان غاضباً لأن تور قد قتل ألعوبته. فتح فكه الضخم ببطء ورمى النعجة. التي ارتطمت على أرض الغابة.

ثم وضع عيناه على تور, وأخرج من داخله صوتاً مختنقاً يملأه الشر. وهو يتسلل نحوه ببطء, قصف قلب تور. وضع حجراً آخراً في مقلاعه, تراجع إلى الخلف, واستعد للإطلاق مرة أخرى.

اندفع سايبولد في العدو, يتحرك أسرع من أي شيء قد رآه تور في حياته. أخذ تور خطوة إلى الأمام وقذف الحجارة, وهو يصلي بأن تصيب, وهو يعلم أنه لن يملك وقتاً ليضع حجر آخر وصولها.

أصاب الحجر عين الوحش اليمنى, مصطدمة بها, رمية من شأنها أن تودي بأيّ حيوان جاثياً على ركبتيه.

ولكن هذا لم يكن حيواناً فقط, كان وحشاً لا يمكن إيقافه. لقد صرخ من الألم, ولكنه لم يقم بإبطائه حتى. حتى من دون عين واحدة و حتى مع الحجر المستقر في دماغه, واصل ملاحقة تور من دون وعي. لم يكن هناك شيءٌ يستطيع يفعله تور.

بعد دقيقة, الوحش كان فوقه, جرحه بمخلبه الضخم وضربه بعنف على كتفه.

صرخ تور عالياً. شعر بثلاثة سكاكين تقطع جسده, وتدفق الدم الساخن على الفور منها.

قام الوحش بتثبيته على الأرض, بقوائمه الأربعة. كان وزنه هائلاً, وكأن فيلاً يقف على صدره. شعر تور بقفصه الصدري يُسحق.

أبعد الوحش رأسه إلى الخلف, فتح فكيه واسعاً وكشف عن أنيابه, وبدأ يخفض رأسه نحو حنجرة تور.

عندما فعل, أمسك تور بعنقه, كان مثل الإمساك بعضلات صلبة و بالكاد يستطيع تور مواصلة الإمساك بها. بدأت يداه بالارتخاء بينما كانت الأنياب تبتعد. كان يشعر بكل أنفاسه الساخنة على وجهه و بلعابه يقطر إلى أسفل عنقه. همهمة خرجت من أعماق صدر الحيوان, حرقت آذان تور. علم أنه سيموت.

أغمض تور عيناه.

أرجوك يا إلهي, أعطني القوة. دعني أحارب هذا المخلوق. من فضلك, أتوسل إليك, سأفعل أي شيء تريده. سأكون مديون لك طوال حياتي.

ثم حدث شيءٌ ما, شعر تور بحرارة هائلة تسري خلال جسده. تجري خلال عروقه, وكأن طاقةً تجري من خلاله. فتح عيناه, رأى شيئاً أدهشه, انبثق من كتفيه ضوء أصفر, وكأنه دفعةٌ باتجاه الوحش, و بشكلٍ مثيرٍ للدهشة, كان قادراً على مجاراة قوته.

تابع تور الدفع بقوة حتى دفع الوحش بالفعل إلى الوراء, لقد نمت قوته وشعر بتسديدة صاروخية من الطاقة فوراً بعدها, حلق الوحش في الهواء إلى الخلف, أرسله تور عشرة أقدام بعيداً عنه, ثم سقط على ضهره.

جلس تور, لم يفهم ما الذي قد حدث.

استعاد الوحش قوته, وقف على قدميه. ثم في حالة غضب عارم, شحذ قوته مرة أخرى, ولكن هذه المرة شعر تور بشيء مختلف. تضاعفت الطاقة في جسده, شعر أنه أقوى من أي وقت مضى.

بينما قفز الوحش في الهواء, جثم تور منخفضاً, انتزع طاقته من داخله و ألقاها بيديه دافعاً الوحش بعيداً وتاركاً القوة تتحكم به.

طار الوحش خلال الغابة و اصطدم بشجرة, ثمّ انهار على الأرض.

حدق تور, اندهش, هل قام للتو بطرح الوحش؟

تراجع الوحش مرتين, ثم نظر إلى تور, وقف وشحذ قوته من جديد.

هذه المرة, عند انقضاض الوحش, أمسكه تور من حنجرته و وقع كلاهما على الأرض, كان الوحش فوق تور.

تدحرج تور وأخذ مكان الوحش, خنقه بكلتا يديه, ظل الوحش يحاول رفع رأسه وغرس أنيابه في وجهه حتى اللحظات الأخيرة.

لقد مات أخيراً. شعر تور بقوة جديدة, لقد أمسكه بيديه ولم يدعه يفلت منه. لقد ترك تلك الطاقة تسير من خلال يديه, وسرعان ما شعر بنفسه أقوى من الوحش. كان يخنق سايبولد حتى قتله. و أخيراً, أصبح الوحش بلا قوة. لم يتركه تور دقيقة واحدة.

وقف تور ببطء, يلهث ويحدق إلى الأسفل, اتسعت عيناه, وهو يمسك بيده المصابة. ماذا حصل للتو؟ هل هو, تور نفسه. لقد قتل سايبولد ببساطة؟

لقد شعر أنها كانت علامة, في هذا اليوم دوناً عن كل الأيام. شعر أن شيئاً بالغ الأهمية قد حصل. لقد قتل للتو الوحش الأكثر شهرة ورعباً لمملكته و بيديه فقط, دون سلاح. هذا لا يبدو حقيقاً, لا أحد سيصدقه.

كان يشعر بأن الدنيا تدور من حوله وهو يتساءل عن القوة التي تملكته. ما الذي يعنيه هذا؟ من كان هو حقاً؟ الأشخاص الوحيدون الذين عرفوا بهذه القوة هم الكهنة. ولكن والده ووالدته لم يكونوا كهنة, لذلك فهو لا يمكن أن يكون.

أو يمكن أن يكون؟

استشعر بأحد وراءه. تراءى لتور بأن أرجون واقفاً هناك, يحدق في الحيوان.

"كيف جئت إلى هنا؟" سأل تور, مندهشاً.

تجاهله أرجون.

"هل كنت شاهداً على ما حصل؟" سأل تور, لا يزال غير مصدق" أنا لا أعرف كيف فعلت ذلك."

"لكنك تعرف," أجاب أرجون. "في داخلك, كنت تعلم. أنت مختلف عن الآخرين."

"لقد كان... مثل موجة من القوةٍ," قال تور. "قوة لم أعلم أني أملكها."

"حقل الطاقة," قال أرجون. "يوماً ما ستأتي لتتعلم عنها بشكل جيد, ربما تتعلم كيف تسيطر عليها."

أمسك تور بكتفه, الألم كان مبرحاً. نظر إلى الأسفل ورأى يده مغطاة بالدماء. إنه يشعر بدوار, قلقاً ماذا سيحدث لو أنه لم يحصل على المساعدة. أخذ أرجون ثلاث خطوات إلى الأمام و مد يده, أمسك بيد تور السليمة و ضغط بها على الجرح. انحنى إلى الخلف, وأغمض عيناه.

شعر تور بإحساس دافئ يملئ ذراعه. في غضون ثواني, الدم اللزج على ذراعه أصبح جافاً, وشعر بألمه قد بدأ بالتلاشي.

نظر إلى الأسفل, ولم يستطيع فهم ما حدث, إنه شفي, كل ما تبقى ثلاثة ندوب حيث غرست المخالب, لكنها كانت معافاة وتبدو كأنها منذ زمن مضى. لم يعد هناك المزيد من الدماء.

نظر تور إلى أرجون بدهشة.

"كيف فعلت هذا؟" سأل تور.

ابتسم أرجون.

"لم أفعل, أنت فعلت, لقد قمت بتوجيه قوتك فقط."

"ولكن ليس لدي القدرة على الشفاء," أجاب تور في حيرة.

"ليس لديك؟" ردّ أرجون.

"أنا لا أفهم هذا. لا شيء من هذا له معنى." قال تور, والصبر ينفذ منه. "من فضلك, قل لي."

نظر أرجون بعيداً.

"بعض الأشياء يجب أن تتعلمها مع مرور الوقت. "

فكر تور بشيء ما.

"هل هذا يعني أنني أستطيع الانضمام إلى فيلق الملك؟" سأل, بحماس." من المؤكد أنني إذا كنت أستطيع قتل سايبولد, يمكنني أن أتدبر أمري مع الفتيان الآخرين."

"بالتأكيد تستطيع," أجاب أرجون.

"ولكنهم اختاروا إخوتي, لم يختاروني."

"إخوتك لا يستطيعون قتل هذا الوحش."

حدق تور مرة أخرى, مفكراً.

"ولكنهم رفضوني مسبقاً, كيف يمكنني الانضمام إليهم."

"منذ متى يحتاج المحارب إلى دعوة," رد أرجون.

كلماته رسخت في أعماق تور, شعر تور بجسده يغلي.

"هل تقول بأنني يجب أن أظهر هكذا؟ من دون دعوة؟"

ابتسم أرجون.

"أنت تصنع مصير,. ليس أحدٌ آخر."

في رفة عين من تور, خلال لحظة, كان أرجون قد ذهب مرة أخرى.

بحث تور في كل الاتجاهات, ولكن لم يكن له أي أثر.

"إلى هنا!" سمع صوتاً يتردد.

التفت تور ورأى صخرة ضخمة أمامه. لقد شعر أن الصوت يأتي من أعلاها, تسلق الصخرة الكبيرة على الفور.

وصل إلى قمتها, وكان في حيرة لأنه لم يرى أي علامة على وجود أرجون.

من هذه النقطة العالية, ومع ذلك, كان قادراً على رؤية أعلى أشجار الغابة المظلمة. لقد رأى نهاية هذه الغابة, ورأى الشمس الثانية تستقر في لون أخضر داكن, وأبعد من هذا, الطريق الذي يؤدي إلى بلاط الملك.

"إن هذا الطريق لك," سمع صوتاً يتردد." إذا كنت تجرؤ."

تمعن تور في الأرجاء ولكنه لم يرى شيئاً. لقد كان مجرد صوت, يتردد. لكنه عرف أن أرجون كان هنا, في مكان ما, يحفزه. كان يشعر تور في داخله, أنه كان على حق.

دون أن يتردد لحظة أخرى, سارع تور إلى أسفل الصخرة, وانطلق عبر الغابة إلى الطريق البعيدة. يركض ذاهباً نحو مصيره.




الفصل الثالث


كان الملك ماكجيل ملكاّ شجاعاّ, ذو لحيةٍ سميكة جداً مع لون رمادي, وشعر طويل بنفس طولها, وجبهة واسعة مسطرة بآثار الكثير من المعارك. يقف على أسوار قصره العلوية مع زوجته الملكة التي تقف جانبه, تشرف على تجهيزات احتفال اليوم. أراضي مملكته تمتد تحته بكل بهاء, تمتد بقدر ما يمكن للعين أن ترى, مدينةٌ مزدهرة مسورةٌ بحصون حجرية قديمة. إنّه البلاط الملكي. مترابطة عبر متاهة من الشوارع المتعرجة, تقف فيها مباني حجرية من كل الأحجام والأشكال, للمحاربين و الأوصياء و الخيول و فرقة الفضة و الفيلق و الحراس و الثكنات و مستودع الأسلحة, و بين كلِّ هؤلاء, مئات المساكن لعدد كبير من شعبه الذي اختاره ليعيش داخل أسوار المدينة.

بين هذه الشوارع امتد بعض الفدادين من العشب و الحدائق الملكية و الساحات الحجرية و النوافير الفائضة. كان بلاط الملك قد تم تحسينه لقرون, من قبل والده, و والد والده من قبله. وقد جلس الآن في ذروة هذا المجد. من دون شك, كان الحصن الأكثر أماناً في المملكة الغربية من الطوق.

ماكجيل كان ينعم بخيرة المحاربين الأكثر ولاءً, الذين لم يحظى بهم ملك من قبل. وفي حياته, لم يكن هناك أحد يجرؤ على محاربته.

كان ماكجيل السابع عشر قد أمسك بالحكم جيداً لاثنين و ثلاثين عام ليحافظ على عرشه, لقد كان ملكاً حكيماً وخيّراً. كانت الأرض قد ازدهرت كثيراً في عهده. ضاعف حجم جيشه و قام بتوسيع مدنه, وأعطى شعبه الهبات العظيمة, حتى أنه لو بحثت عن أيّ شكوى من شعبه لن تتمكن من العثور على واحدة. كان يُعرف بالملك السخي, لم يحظى أحد بفترة من السخاء والسلام كالتي كانت منذ توليه العرش.

لكن الأمر الذي أبقى ماكجيل ليلاً غارقاً في التفكير, هو علمه بأنه خلال التاريخ في جميع العصور, لم يكن هناك أبداً مثل هذه الفترة الطويلة التي امتدت من دون حروب. إنه لم يعد يتساءل عمّا إذا كان هناك هجوم أم لا, ولكن متى سيكون هذا الهجوم, ومن أي جهة.

كان التهديد الأكبر بالطبع, من وراء الطوق, من إمبراطورية الهمج التي حكمت البراري النائية, التي أخضعت كل الشعوب خارج الطوق, وراء وادي كانيون الكبير. بالنسبة لماكجيل و لسبعة أجيال من قبله, لم يشكل الهمج تهديداً مباشراً من قبل. بسبب جغرافيا مملكته الفريدة من نوعها, لقد تشكلت هذه المملكة في دائرة مثالية, فُصلت عن بقية العالم عبر وادي عميق بنطاق ميل, محميةٌ بدرعٍ من الطاقة النشطة منذ حُكم ماكجيل الأول, كان لديهم القليل من الخوف من البراري. حاول الهمجيون الهجوم عدة مرات, لاختراق الدرع و لعبور الوادي, و لم ينجح أحد منهم أبداً. طالما بقي هو وشعبه داخل الطوق, لم يكن هناك أي تهديدٌ خارجي. ومع ذلك فهذا لا يعني أنه لا يوجد أي تهديد من الداخل, و هذا ما أبقى ماكجيل أرقاً في الآونة الأخيرة. في الواقع, كان الغرض من الاحتفالات في هذا اليوم, زواج ابنته الكبرى. رتّب الزواج خصيصاً لإرضاء أعدائه, وللحفاظ على السلام الهش بين الممالك الشرقية والغربية من الطوق.

بينما امتدت الطوق على خمسمائة كيلومتر في كل اتجاه, كانت مقسمومةً في الوسط بسلسلة من الجبال والمرتفعات. على الجانب الآخر من المرتفعات تقع المملكة الشرقية, حكم النصف الآخر من الطوق. وهذه المملكة حكمت لقرون من قبل منافسيهم, الماكلاود, كانوا يحاولون دائماً تحطيم السلام الهش مع ماكجيل. كان الماكلاود متذمرون دائماً, غير راضين عن أوضاعهم, اقتناعاً منهم بأنهم يحكمون الأرض الأقل خصوبة. كانوا معترضين على المرتفعات أيضاً, مصرين بأن سلسلة الجبال كانت ملكهم بأكملها, بينما نصفها على الأقل ينتمي إلى ماكجيل. كانت المناوشات دائمةً على الحدود, وتهديدات الغزو مستمرة.

كلما فكر ماكجيل في كل هذا, بدا عليه الانزعاج. يجب أن يكون الماكلاود راضين, كانوا آمنين داخل الطوق, محميين من وادي كانيون و يستقرون في الأرض المختارة و ليس لديهم ما يخشونه. لماذا لا يمكن أن يتقبلوا العيش مع النصف الآخر من الطوق؟ كان ذلك أيضاً بسبب أن ماكجيل قد بنى جيشاً قوياً, و لأول مرة في التاريخ, لم يتجرأ أحد على محاربتهم. ولكن ماكجيل, الملك الحكيم, شعر بشيء في الأفق, كان يعلم أن هذا السلام لا يمكن أن يدوم. لقد رتب زواج ابنته الكبرى من أمير ماكلاود, والآن جاء هذا اليوم.

عندما نظر إلى الأسفل, رأى على امتداد نظره آلافاً من الأتباع يرتدون ستاًر بألوان زاهية, قادمون من كل زاوية من زوايا المملكة, من كلا جانبيّ المرتفعات. تقريباً من الطوق بأكملها, الكل يتدفق إلى حصونه. لقد استعد شعبه لشهور, لجعل كل شيء يبدو مزدهراً و قوياً. هذا لم يكن يوم زواج فقط, كان يوماً لإرسال رسالة إلى ماكلاودس. استطلع ماكجيل على مئات الجنود المصطفين استراتيجياً على طول الأسوار, في الشوارع, على طول الجدران, جنودٌ أكثر مما يمكن أن يحتاج يوماً, قد أشعره ذلك بالارتياح.

كان هذا الاستعراض الذي يريده, استعراض قوته. ولكنه رأى أيضاً على الحدود, بأن الجو كان مشحوناً, وحان الوقت لمناوشة. لقد أمِل ألّا يكون هناك أي متهورين, يسيطر عليهم الشراب, ينتقضون أيّاً من الجانبين.

لقد تفحص ميادين المبارزة و الملاعب, و فكر في اليوم القادم, يوم مليء بالألعاب والأمور المعتادة وجميع أنواع الاحتفالات. سيكون قوياً, سيظهر الماكلاود بالتأكيد مع جيشهم الصغير, كل مبارزة و كل مصارعة و منافسة, ستُأخذ على محمل الجد. لو أن أحدهم فقط قام بأيّ عملٍ متهور, يمكن أن تتطور الأمور إلى معركة.

"مولاي؟"

شعر بيد ناعمة عليه والتفت ليرى زوجته الملكة, كيرا, لا تزال أجمل امرأة قد عرفها على الإطلاق. زواجه بها جلب حسن الحظ له طوال عهده. لقد أنجبت منه خمسة أطفال, ثلاث منهم فتيان, ولم تشتكي يوماً. علاوة على ذلك, أصبحت أكثر مستشاريه وثوقاً. مع مرور السنوات, وجد أنها كانت أكثر حكمة من كل رجاله. في الواقع, أكثر حكمة منه.

"إنه يوم سياسي," قالت الملكة. "ولكنه أيضاً حفلة زفاف ابنتنا, حاول أن تستمع بذلك, هذا لن يحدث مرتين."

"يكون قلقي أقل عندما لا يكون لدي شيء," أجاب الملك. " والآن بعد أن ملكنا كل هذا, كل شيء يقلقني. نحن في أمان, لكنني لا أشعر بالأمان."

نظرت إليه بعيون يملأها الحنان, عيونٌ كبيرة وعسلية, بدت وكأنها تملك حكمة هذا العالم. جفونها ذابلة متدلية, كما كانت دائماً, تبدو كأنها نعسة قليلاً. محاطة بجمالها, وشعرها البني المستقيم يشوبه اللون الرمادي. وقد تناثر على جانبي وجهها. كان لديها القليل من التجاعيد, لكنها لم تتغير أبداً.

"هذا لأنك غير آمن," قالت الملكة." لا يوجد ملك آمن. هناك الكثير من الجواسيس في بلاطنا, أكثر من أي وقت قد عرفته. وهذا هو الطريق لضمان هذه الأمور."

اتكأت عله وقبلته, وابتسمت.

"حاول أن تستمع بهذا, إنه حفل زفاف مع كل هذا."

قالت هذا والتفتت تمشي خارج الأسوار.

كان يراقبها وهي تمشي, ثم التفت ونظر عبر مملكته. كانت على حق, هي دائماً على حق. إنه يرغب في الاستمتاع بهذا. كان يحب ابنته البكر, وكان هذا حفل زفافها بالرغم من كل هذا. كان أجمل يوم في أجمل وقت من السنة, الربيع في أوجه, مع بزوغ فجر الصيف, واثنين من شموس الكمال في السماء, والنسائم تتلاعب. كان كل شيء مزهرّ, الأشجار تنتشر في كل مكان في لوحة واسعة من الألوان الوردية و البنفسجية و البرتقالية والبيضاء. لم يكن هناك شيء يرغبه أكثر من أن يذهب إلى الأسفل ويجلس مع رجاله, يشاهد ابنته وهي تتزوج, ويشرب العديد من أقداح الجعة حتى يعود بإمكانه الشرب أكثر.

لكنه لن يستطيع, كان لديه قائمة طويلة من الواجبات قبل أن يتمكن حتى من الخروج من قلعته. فبالرغم من كلّ شيء يوم زفاف ابنته يعني التزاماً بالنسبة للملك, كان عليه أن يجتمع مع مجلسه, مع أولاده, ومع خط طويل من المتوسلين الذين كان لهم الحق في رؤية الملك في هذا اليوم. سيكون محظوظاً إذا غادر قصره في الوقت المناسب لحضور حفل غروب الشمس.

ارتدى ماكجيل الملابس الملكية, السروال الأسود المخملي و حزامه الذهبي ورداء ملكي مصنوع من أجود الحرير الأرجواني والذهبي, مع عباءة بيضاء و جزمة جلدية لامعة عالية حتى ساقيه. كان يرتدي تاجه و حزاماً ذهبي مزخرف مع ياقوتة كبيرة في وسطه, يختال بمشيته في قاعات القلعة, المحاطة بالحضور. يسير من غرفة إلى غرفة, ثمّ ينزل الدرج من حاجز الشرفة, ماراً من خلال الحجرات الملكية, خلال قاعة مقوسة كبيرة, مع سقفها العالي وصفوف من الزجاج الملون. أخيراً, وصل إلى باب قديم من البلوط, سميك كجذع شجرة, الذي فتحه خاداين قبل أن يصل إليه. إنها قاعة العرش.

وقف مستشاريه بانتباه حالما دخل ماكجيل, وأُغلق الباب وراءه.

"اجلسوا," قال الملك, بشكل حاد أكثر من العادة, لقد كان متعباً. خاصة في هذا اليوم, من الشكليات التي لا نهاية لها لحاكم المملكة, وأراد أن يتجاوز كل هذا.

سار عبر قاعة العرش, التي طالما كانت تستهويه. سقوفها ارتفعت خمسين قدماً عالياً, كان أحد الجدران بأكمله من الزجاج الملون, و الأرضيات والجدران مصنوعة من حجر بسمك قدم. القاعة يمكن أن تستوعب مائة من كبار الشخصيات. ولكن في أيام مثل اليوم, عندما عقد مجلسه, كان فقط هو وبضعة من مستشاريه. كان يهيمن على القاعة طاولة واسعة على شكل نصف دائرة, خلف المكان حيث وقف مستشاريه.

كان يمشي مختالاً خلال فتح الأبواب, وصولا إلى وسط القاعة, حتى عرشه. صعد الدرجات الحجرية, مرّ بالأسود الذهبية المنحوتة ثمّ غاص في وسادة مخملية حمراء تبطن عرشه, المصنوع بالكامل من الذهب. لقد جلس والده على العرش, كما فعل والد والده, و كل الماكجيل من قبله. عندما جلس, شعر ماكجيل بحمل أسلافه من كل الأجيال على عاتقه.

كان يتفقّد المستشارين الحاضرين. كان بروم موجوداً, الجنرال الأعظم. و مستشاره في الشؤون العسكرية, كولك. و جنرال فيلق البنين, أبرثول. و أقدم الموجودين, الباحث و المؤرخ, مرشد الملوك لثلاثة أجيال, فيرث. مستشار الأمور الداخلية للبلاط, رجل نحيل وقصير القامة, مع شعر أشيب وعيون جوفاء لا تبقى هادئة أبداُ. لم يكن فيرث محل ثقة ماكجيل أبداً, حتى أنه لم يفهم يوماً سبب وجوده. ولكن والده, و الذين كانوا قبله, أبقوه مستشاراً لشؤون البلاط, لذلك احتفظ به احتراماً لهم. كان هناك أوين, أمين الخزنة, براديه. و مستشاره في الشؤون الخارجية, إرنان, جامع الضرائب, دوين, مستشاره في أمور الجماهير. بالإضافة إلى كلفن, ممثل النبلاء.

كان للملك سلطة مطلقة بالطبع, لكن مملكته كانت ليبرالية, وكان آبائه يعتزون دائما في سماحهم للنبلاء بإدلاء أصواتهم في كل الأمور, من خلال ممثليهم. على مرّ التاريخ كان ميزان القوى بين الملكية والنبلاء غير مستقر, الآن أصبح هناك انسجام, ولكن في أوقات أخرى كان هناك ثورات وصراعات على السلطة بين النبلاء والملوك. كان ذلك توازناً دقيقاً.

عندما انتهى من تفقده لاحظ أن هناك شخصاً غائباً, الشخص الذي كان يرغب بالتحدث إليه أكثر من البقية, أرجون. كالمعتاد, متى وأين يظهر لا يمكن لأحد التنبؤ بذلك. لقد أغضب ذلك ماكجيل كثيراً, ولكن لم يكن لديه خيار سوى قبول ذلك. كانت طريقة الكهنة غامضة بالنسبة له. من دون حضوره, رأى أن ينتهي الأمر بعجلة أكبر. إنه يريد أن ينجز هذا, لينجز آلاف الأمور الأخرى التي تنتظره قبل الزفاف.

جلست مجموعة المستشارين مقابله حول الطاولة النصف دائرية, ينتشرون في كل عشرة أقدام, كل يجلس على كرسي من خشب البلوط القديم بأذرع خشبية منحوتة بإتقان.

" سيدي الملك, هل بإمكاني البدء," صاح أوين.

"يمكنك ذلك, ولكن باختصار, وقتي ضيق اليوم."

"ابنتك ستتلقى الكثير من الهدايا اليوم, والتي كما نأمل ستملئ كل خزائنها. الآلاف من الناس يدفعون الجزية, ويقدمون الهدايا لك شخصياً. وامتلاء المواخير والحانات لدينا, سيساعد على امتلاء الخزائن أيضاً. حتى الآن فإن التحضير لاحتفالات اليوم سيستنزف أيضاً جزءاً كبيراً من الخزينة الملكية. أوصي بزيادة الضرائب على الشعب و على النبلاء. ضريبةٌ لمرةٍ واحدة, لتخفيف ضغوط هذا الحدث الكبير." قال أوين.

لاحظ ماكجيل القلق على وجه أمين خزنته, وغرق عقله بالتفكير باستنزاف الخزينة. لن يرفع الضرائب مرة أخرى.

"من الأفضل أن يكون لدينا خزنة للفقراء والرعايا المخلصين" أجاب ماكجيل. " ثرواتنا تأتي من سعادة رعايانا, لا يجوز فرض المزيد من الضرائب." قال الملك.

"لكن سيدي, إن لم نفعل ذلك..." قال أوين.

"لقد أخذت قراري. ماذا أيضاً؟" أجاب الملك بحدّة.

أسند أوين ظهره إلى الوراء, محبطاً.

" سيدي الملك," قال بروم بصوته العميق. " الجزء الأكبر من قواتنا يتمركز في البلاط وفقاً لأوامرك لحدث هذا اليوم, سوف نظهر قوة مثيرة للإعجاب. ولكن امتدادنا ضعيف. إذا حصل هجوم آخر في مكان آخر من المملكة, سنكون في موقف ضعف."

أومأ ماكجيل, وغرق في التفكير.

"أعدائنا لن يقوموا بمهاجمتنا, بينما نحن نقوم بإطعامهم." قال الملك.

ضحك الرجال.

"وما الأخبار من المرتفعات؟"

"لم يكن هناك بلاغ عن أي نشاط هناك منذ أسابيع. يبدو أن قواتهم تستعد لحفل الزفاف. ربما هم مستعدون للسلام."

لم يكن ماكجيل واثقاً من ذلك.

"هذا يعني إما أنهم يرتبون للزفاف, أو أنهم ينتظرون لمهاجمتنا في وقت آخر. وهذا ما تعتقده, أيها الرجل العجوز؟" سأل ماكجيل, وقد التفت إلى أبرثول.

خرج صوت أبرثول خشناً :" سيدي الملك, والدك ووالد والدك من قبله لم يثق أبداً بالماكلاود. إذا كانوا غطّوا في النوم, لا يعني هذا أنهم لن يستيقظوا."

أومأ ماكجيل تقديراً لحكمته.

"وماذا عن الفيلق؟" سأل متحولاً إلى كولك.

" اليوم رحبنا بالمجندين الجدد," أجاب كولك مع إيماءة سريعة.

"وهل ولدي بينهم؟" سأل ماكجيل.

"كان يقف بفخر معهم كلهم, إنه فتى رائع." أجاب كولك.

أومأ ماكجيل, ثم تحول إلى براديه.

"وما الوضع من وراء كانيون؟" سأل الملك.

"سيدي الملك, شهدت دورياتنا المزيد من المحاولات لتجاوز كانيون في الأسابيع الأخيرة, قد تكون علاماتٍ أنّ الهمجيين يستعدون للهجوم."

انتشر الهمس بين الرجال بشكل متكتم. شعر ماكجيل بجوفه يضيق حين فكر بذلك. كان درع الطاقة لا يقهر, وبالرغم من ذلك, هذا لا يبشر بالخير.

"وماذا لو حصل هجومٌ واسع النطاق؟" سأل الملك.

"طالما بقيت الدرع نشطة, ليس لدينا ما نخاف منه. لم ينجح الهمجيون باختراق كانيون منذ قرون. ليس هناك سبب للتفكير بخلاف ذلك." أجاب براديه.

كان ماكجيل غير متأكد. كان الهجوم من الخارج قد تأخر كثيراً و لا يمكنه توقعه, ولكنه تساءل متي يمكن أن يحدث.

"سيدي" قال فيرث بصوته الحاد," أجد نفسي مضطراً لأن أضيف أن بلاطنا يمتلئ اليوم بكبار الشخصيات من مملكة ماكلاود. سيكون من الإهانة لك ألّا تستقبلهم بترحاب, كانوا خصومك أو لم يكونوا. كنت لأنصح بأن تكون ساعات بعد ظهر اليوم لتحيتهم جميعاً. لقد جلبوا حاشية كبيرة, والعديد من الهدايا, وأيضاً العديد من الجواسيس."

"من قال أن الجواسيس غير موجودة هنا بالفعل؟" رد ماكجيل, وهو ينظر بعناية في فيرث كما فعل, وتساءل, كما يفعل دائماً, إذا كان هو نفسه واحداً منهم.

فتح فيرث فمه للرد, ولكن ماكجيل تنهد وعقد كفيه, وقد اكتفى من كل ذلك. "إذا كان هذا هو كل شيء, سأترككم الآن, للانضمام إلى زفاف ابنتي."

"سيدي الملك" قال كلفن, " هناك أمرٌ واحدٌ آخر. التقليد, في يوم زفاف ابنتك الكبيرة أنّ كل ماكجيل يعيّن خليفته. الناس يتوقعون منك أن تفعل الشيء نفسه, لقد كانوا يتكلمون عن هذا. سيكون من المستحسن ألّا تخذلهم. وخاصة بأنّ سيف القدر لا يزال ثابتاً في مكانه."

"هل تريدني أن أعين وريثي بينما أنا ما أزال على عرشي؟" سأل ماكجيل.

"سيدي, لم أكن أعني أي إساءة" تلعثم كلفن, وهو ينظر بقلق.

" أنا أعرف التقاليد, وبالفعل, سأعطي اسماً اليوم." قال الملك.

" هل تخبرنا من هو؟" سأل فيرث.

حدّق ماكجيل فيه, بانزعاج. كان فيرث ثرثاراً, وهو لا يثق بهذا الرجل.

"سوف تعلم بالخبر عندما يحين الوقت المناسب."

وقف ماكجيل, و وقف الآخرون أيضاً. انحنوا, التفتوا وسارعوا بالخروج من الغرفة.

بقي ماكجيل واقفاً هناك يفكر لفترة لا يعرف كم استمرت. في أيام مثل هذه تمنى لو لم يكن ملكاً.

*

نزل ماكجيل عن عرشه, وصوت حذاءه يتردد في السكون, و هو يعبر القاعة. فتح باب البلوط القديم بنفسه, ساحباً المقبض الحديديّ, ثمّ دخل غرفة جانبية.

كان يستمتع بالسلام والعزلة في هذه الغرفة المريحة, كما كان يفعل دائماً. كان بالكاد يستطيع أن يسير بين جدرانها عشرين خطوة, بسقف مرتفع مقوس. كانت الغرفة بأكملها من الحجر, مع نافذة مستديرة صغيرة من الزجاج الملون على جدار واحد. يخترقها ضوء أصفر وأحمر, و يضيء شيئاً واحداً في هذه الغرفة الخالية, إنّه سيف القدر.

كان قابعاً هناك في وسط الغرفة, مستلقياً بشكل أفقي على النتوءات الحديدية, كامرأة فاتنة. كما كان يفعل منذ كان صبياً, مشى ماكجيل قريباً منه, وأحاطه, متفحصاً. سيف القدر, سيف الأسطورة, مصدر الجبروت وقوة مملكته بأكملها, من جيل إلى جيل. أيّاً كان سيقوى على رفعه سيكون المختار. واحدٌ قدّر له أن يحكم المملكة مدى الحياة, ويحررها من جميع التهديدات, داخل الطوق وخارجها. كان أسطورة جميلة كَبُر معها, وبمجرد أن تم تعيينه ملكاً, حاول ماكجيل رفع ذلك بنفسه, حيث أنه يسمح للملوك فقط بالمحاولة. الملوك الذين كانوا قبله جميعهم قد فشلوا في ذلك. وكان على يقين بأنه سيكون مختلفاً, وعلى يقين أنه سيكون المختار.

لكنه كان مخطئاً, كما كان جميع ملوك ماكجيل قبله. وفشله قد أعاب منصبه منذ ذلك الحين.

بينما كان يحدق فيه الآن, تفحص نصله الطويل, الذي صنع من معدن غامض لم يستطع أحد فك رموزه في أي وقت مضى. كان منشأ السيف أكثر غموضاً حتى, يحكى أنه ارتفع من الأرض في خضم زلزال.

بالنظر إليه, يشعر مرة أخرى بلسعة الفشل. هو يمكن أن يكون ملكاً جيداً, لكنه لم يكن المختار. شعبه عرف هذا, وأعداءه عرفوا أيضا. من الممكن أن يكون ملكاً جيداً, ولكنه مهما فعل لن يكون المختار.

لو كان هو, يعتقد أن الاضطرابات ستكون أقل بين حاشيته, والمؤامرات ستكون أقل. ثقة شعبه به ستكون أكبر وأعدائه لن يفكروا حتى في الهجوم, كان جزءٌ منه يتمنى لو أن السيف يختفي فقط, وتختفي الأسطورة معه. لكنه كان يعلم أن ذلك لن يحصل. كانت لعنة وقوة الأسطورة أقوى حتى من جيش بأكمله.

بينما كان يحدق فيه للمرة الألف, لم يتمكن ماكجيل أن يكون المختار ولكنه تساءل مرة أخرى من سيكون. مَن سيكون المختار من سلالته؟ كما فكر من قبل بمهمته في تسمية وريث, تساءل إذا كان أيٌّ منهم سيكون قادراً على رفع السيف.

"وزن نصله ثقيل جداً," جاءه صوت.

أدار ماكجيل رأسه, تفاجأ بوجود شخص معه في الغرفة الصغيرة.

هناك واقفاً عند مدخل الغرفة, كان أرجون. لقد تعرف ماكجيل على الصوت قبل أن يراه وكان غاضباً لعدم ظهوره قبل ذلك و لكنه راضٍ لوجوده الآن هنا.

"لقد تأخرت," قال ماكجيل.

"إدراكك للزمن لا يطبق علي," قال أرجون.

التفت ماكجيل إلى السيف.

"هل فكرت يوماً أنني سأكون قادراً على رفعه؟" سأله بتأمل." ذلك اليوم الذي أصبحت فيه ملكاً؟"

"لا," أجاب أرجون بشكل قاطع.

التفت أرجون إليه وحدّق في وجهه.

"كنت تعرف أنني لن أكون قادراً على ذلك. رأيت هذا, أليس كذلك؟"

"نعم," قال أرجون.

فكر ماكجيل ملياً بذلك.

"أنت تخيفني عندما تجيب مباشرةً, هذا ليس من عادتك."

بقي أرجون صامتاً, وأخيراً أدرك ماكجيل أنه لن يقول المزيد.

"سأسمي خليفتي اليوم," قال ماكجيل. "إنه شعور مخيّب, تسمية وريث في هذا اليوم, هذا يتنزع بهجة الملك من زفاف ابنته."

"ربما هذا هو المقصود, لهذه السعادة أن تخف."

"لكن لدي سنوات كثيرة سأمضيها في الحكم," قال ماكجيل مناشداً.

"ربما ليست كثيرة كما تظن," أجاب أرجون.

ضاقت عينا ماكجيل, وتساءل, هل كانت هذه رسالة؟

ولكن أرجون لم يضف أي شيء آخر.

"ستة أولاد, من منهم يجب أن أختار؟" سأل ماكجيل.

"لماذا تسألني؟ لقد اخترت بالفعل."

نظر ماكجيل في وجهه. " أنت تعرف الكثير. نعم, لقد اخترت بالفعل. ولكن ما زلت أريد أن أعرف رأيك."

"أعتقد أنك قمت باختيار حكيم" قال أرغون" ولكن تذكر, لا يمكن لملك أن يحكم من تحت القبر. بغض النظر عن الشخص الذي تفكر باختياره, القدر له طريقه في الاختيار."

"هل سأعيش, أرجون؟" سأل ماكجيل بجدية. هذا السؤال الذي كان يريد معرفة إجابته منذ استيقظ في الليلة الماضية من كابوس مروع.

"حلمت البارحة بغراب" أضاف ماكجيل. "جاء وسرق التاج الملكي. ثم جاء آخر وحملني بعيداً. وعندما حدث ذلك رأيت مملكتي منتشرة تحتي, وقد تحولت إلى اللون الأسود حين ذهبت. تحولت جرداء, إلى أرضٍ قاحلة."

نظر إلى أرجون, بعينين دامعيتين.

"هل كان حلماً؟ أم شيئاً أكثر من ذلك؟"

"الأحلام دائما شيء أكثر من ذلك, أليس كذلك؟" سأل أرجون.

شعر ماكجيل بأنه يختنق.

"أين هو الخطر؟ أخبرني عن هذا فقط."

اقترب أرجون وحدق في عينيه بحدة, شعر ماكجيل كأن يحدق في عالم آخر.

مال أرجون إلى الأمام, هامساً:

"هو دائما أقرب مما تتخيل."




الفصل الرابع


اختبأ تور داخل القش في الجزء الخلفي من عربة تندفع به على طول طريق البلدة. كان قد اتخذ وجهته إلى الطريق في الليلة السابقة وانتظر بصبر حتى جاءت عربة كبيرة تناسب حجمه ليركبها من دون أن يلاحظه أحد. كان قد حلَّ الظلام في ذلك الوقت, والعربة تجري على طول الطريق ببطء كافٍ يمكّن تور من السير بسرعة والقفز عليها من الخلف. سقط تور في القش ودفن نفسه في داخله. لحسن الحظ, أن السائق لم يلاحظه. لم يكن تور يعرف إذا كانت العربة متجهة إلى بلاط الملك, لكنها كانت تسير في ذلك الاتجاه, وعربة بهذا الحجم, ومع هذه العلامات, يمكن أن تكون ذاهبة إلى عدة أماكن.

ركب تور طوال الليل, وبقي مستيقظاً لساعات, يفكر في مواجهته مع سايبولد, ومع أرجون. عن مصيره وعن منزله, و عن والدته. لقد شعر أن الكون قد أجابه, قد أخبره بأن له مصيراً آخر. كان يستلقي هناك, شابكاً يداه وراء رأسه, يحدق في سماء الليل الظاهرة من خلال قماشةٍ بالية. كان يشاهد الكون, وهو مشرق جداً, ونجومه الحمراء بعيدة للغاية.

كان مبتهجاً. لأول مرة في حياته, كان في رحلة. لم يكن يعرف إلى أين, ولكنه كان ذاهباً. بطريقة أو بأخرى سيجد طريقه إلى بلاط الملك.

عندما فتح تور عيناه كان الصباح قد أتى. وأشعة الشمس تجتاح العربة, لقد أدرك أنه غط في النوم. جلس بسرعة, ينظر حوله, ويلوم نفسه على استسلامه للنوم. كان ينبغي أن يكون أكثر يقظة, كان محظوظاً بأنه لم يتم اكتشافه.

لا تزال العربة تتحرك, ولكنها لا ترتطم كثيراً. يمكن أن يعني هذا شيئاً واحداً, طريقاً أفضل. ينبغي أن يكون على مقربة من المدينة. نظر تور إلى الأسفل ولاحظ كيف كان الطريق أملساً, وخالياً من الصخور و الحفر, يصطف على طولها أصداف بيضاء جميلة. بدأ قلبه ينبض بسرعة, كانوا يقتربون من البلاط الملكيّ. نظر تور إلى الجزء الخلفي من العربة وقد كان مغموراً. كانت الشوارع النظيفة تمتلئ بالنشاط. العشرات من العربات, من جميع الأشكال والأحجام و التي تحمل مختلف الأشياء. كانت إحداها تحمل فراءً و أخرى تحمل سجاداً, وأخرى تحمل بعض الدجاج. وكان بينهم يسير مئات من التجار, وبعض الماشية المقادة. البعض يحمل سلال من البضائع على رأسه. أربعة رجال يحملون حزمة من الحرير, يحاولون الموازنة بين قطبيها. كان هناك جيش من الناس, كل يسير في اتجاه واحد.

شعر تور بأنه على قيد الحياة. لم يسبق له أن رأى ذلك العدد من الناس في وقت واحد, الكثير من السلع و الكثير من الأحداث. لقد كان يعيش في قرية صغيرة طوال حياته, والآن هو في مركز المدينة. يندفع بين كل هؤلاء الناس.

سمع ضجة عالية, إنّه أنين من سلاسل, و صفقُ قطعة كبيرة من الخشب, قويٍّ جداً بحيث جعل الأرض تهتز تحتهم. بعد لحظات جاء صوتٌ مختلف, من حوافر خيل تحدث صوتاً على الخشب. نظر إلى الأسفل وأدرك أنهم كانوا يعبرون جسراً, و من تحته خندق. إنه جسر متحرك.

أمسك تور رأسه ورأى أعمدة حجرية ضخمة. ارتفعت البوابة الحديدة إلى الأعلى, لقد كانوا يجتازون بوابة الملك.

كانت أكبر بوابة رآها في حياته. تأمل بالنتوءات الحديدية, وكان يتخيل لو أن إحداها قد سقطت عليه لقطعته إلى قسمين, حينها خفق قلبه بشدة.

مروا عبر نفق حجر طويل, ثم بعد لحظات ظهرت السماء مرة أخرى. كانوا داخل بلاط الملك.

بالكاد استطاع تور تصديق ذلك, لقد كان النشاط هنا أكثر. ما يبدوا أنه كان يوجد الآلاف من الناس, تذهب في كل اتجاه. كان هناك مساحات واسعة شاسعة من العشب, مقصوصٍ بإتقان, والأزهار المتفتحة في كل مكان. اتسع الطريق, وعلى جوانب الطريق كانت هناك أكشاك و بائعين و مباني حجرية. ووسط كل هذا, رجال الملك, الجنود. تغطيهم الدروع. لقد تخيل تور كل هذا من قبل.

في خضم حماسه, نهض قليلاً عن غير قصد, وعندما فعل, توقفت العربة قليلاً, مرسلة تور إلى الوراء, ليهبط على ظهره في وسط القش. قبل أن يتمكن من النهوض, كان هناك صوت انخفاض الخشب, ثم ظهر أمامه رجل عجوز غاضب, أصلع, يرتدي الخرق, ووجهه متجهّم. لقد وصل إليه سائق العربة, وأمسك تور من عظام كاحليه, وجره إلى الخارج.

وقع تور على ظهره بقوة على طريق ترابي, مثيراً سحابة غبار حوله. ارتفع صوت الضحك من حوله.

"في المرة القادمة التي تركب بها عربتي, ستكون الأغلال مصيرك! كنت محظوظاً أنني لن أستدعي جنود الفضة الآن!"

التفت العجوز وبصق, ثم سارع إلى الخلف, قافزاً إلى عربته وضارباً حصانه بالسياط.

نهض تور مُحرجاً ومشى على قدميه. تطلع حوله, كان واحداً أو اثنان من المارة ينظرون بسخرية, تجاهلهم تور حتى أشاحوا بنظرهم بعيداً. نفض الغبار عنه وفرك يداه, لقد جرحت كرامته, وليس جسده.

عاد معنوياته المرتفعة عندما نظر حوله, مبهوراً, وأدرك أنه يجب أن يكون سعيداً, على الأقل لأنه وصل إلى هنا. الآن بما أنه أصبح خارج العربة يمكن أن ينظر حوله بحرية, وقد كان منظراً غير عادي, امتد البلاط على مد نظره. في وسطه كان هناك قصر حجري رائع, محاط بالأبراج, محصنة بجدران حجرية متوجة بالأبراج, على قمتها و في كل مكان, تسيير دوريات جيش الملك. يحيطه حقول خضراء, وقد أُعتني بها بشكل رائع, والميادين الحجرية و النوافير و مزارع من أشجار. لقد كانت مدينة, لقد كانت تفيض بالناس.

كانوا يتدفقون في كل مكان وباختلاف أنواعهم, تجار و جنود و كبار الشخصيات, الجميع يتحرك باندفاع. استغرق تور عدة دقائق ليفهم أن شيئاً خاصاً كان يحدث. بينما كان يتمشى على طول الطريق, رأى أن هناك استعدادات تُجهز, كراسٍ توضع, ومذبحٌ يركّب. بدا الأمر وكأنهم كانوا يستعدون لحضور حفل زفاف.

قلبه قفز للحظة عندما رأى ذلك, من بعيد, ممر مبارزة, مع مسار وحلي طويل يقسمه حبل. على ميدان آخر, رأى جنود يرمون الرماح على أهداف بعيدة, وعلى آخر, رماة يرمون على القش. كان يبدو أنه يوجد في كل مكان ألعاب, ومسابقات. كان هناك أيضاً بعض الموسيقى: عودٌ و مزمار و صنج, وفرق موسيقية تتجول, ونبيذ و براميل ضخمة توزع, طعام و موائد يتمّ تحضيرها. ومآدب على مد النظر. كان كما لو أنه وصل في خضم احتفال ضخم.

وهو مبهور بكل شيء, رأى تور أنه يجب أن يجد الفيلق. لقد كان متأخراً بالفعل, وكان بحاجة أن يعرّف عن نفسه.

سارع لأول شخص ظهر أمامه, بدا أنه رجل كبير السن, بعباءة ملطخة بالدماء و كأنه جزار, يسرع إلى أسفل الطريق.

كان الجميع في عجلة مثله.

"المعذرة يا سيدي," قال تور ممسكاً بيده.

نظر الرجل إلى يد تور نظرة مهينة.

"ماذا تريد أيها الصبي؟"

"أنا أبحث عن فيلق الملك. هل تعرف أين يتدربون؟"

"هل أبدو كأنني خريطة؟" تذمر الرجل, واندفع إلى الأمام.

تفاجئ تور بفظاظته.

وسارع إلى شخص آخر, امرأة تعجن الدقيق على طاولة طويلة. كان هناك العديد من النساء على هذه الطاولة. وجميعهن يعملن بجد, واعتبر تور أن احداهن يجب أن تعرف.

"معذرة سيدتي". " هل تعرفين أين مكان فيلق الملك؟"

نظرن إلى بعضهم البعض وضحكن, كان بعضهن أكبر منه ببضع سنوات فقط.

التفت أكبرهم سناً ونظرت إليه.

" أنت تبحث في المكان الخاطئ, هنا نقوم بالاستعداد للاحتفالات."

"ولكن قيل لي أنهم يتدربون في بلاط الملك" قال تور بارتباك.

ضحكت المرأة ضحكة خافتة أخرى. وضعت يدها على خصرها وهزت برأسها قائلة:" أنت تتصرف كما لو كانت هذه هي المرة الأولى لك في بلاط الملك. أليس لديك فكرة كم هو كبير؟"

احمر وجه تور من ضحك النساء الأخريات, ثم ابتعد أخيراً, لم يعجبه أن يكون محط سخرية الآخرين.

لقد رأى خلفه اثنا عشر طريقاً, تدور وتلف في كل اتجاه عبر بلاط الملك.

تتباعد إلى جدران حجرية لتصنع على الأقل اثنا عشر مدخلاُ. كان حجم ومدى هذا المكان شاسعاً. كان لديه شعور بالضياع, من الممكن أن يبحث لعدة أيام و لا يتمكن العثور على مبتغاه.

لمعت فكرة في رأسه, من المؤكد أن الجنود يعلمون أين يتدرب الآخرون. كان متوتراً لفكرة الاقتراب من جندي ملكيٍّ حقيقيّ, لكنه أدرك أنه مضطر إلى فعل ذلك.

التفت وسارع إلى أحد الجدران, إلى جنديٍّ يقف لحراسة أقرب مدخل, آملاً أنه لن يرميه خارجاً. الجندي يقف بانتصاب, وينظر إلى الأمام بشكل مستقيم.

"أنا أبحث عن فيلق الملك" قال تور, وهو يستجدي صوته.

واصل الجندي التحديق إلى الأمام, متجاهلاً تور.

"قلت أنني أبحث عن فيلق الملك!" أصر تور, بصوت أعلى, عازماً على الإجابة.

بعد عدة ثوان حملق الجندي إلى الأسفل, باحتقار.

"هل يمكن أن تقول لي أين هو؟" قال تور.

"وماذا يكون لك عمل معهم؟" قال الجندي.

"عمل مهم جداً" توسل تور على أمل ألّا يرده الجندي خائباً.

عاد الجندي للنظر إلى الأمام, متجاهلاً تور مرة أخرى. شعر تور بخيبة الأمل, وخاف أنه لن يعرف الجواب أبداً.

ولكن بعد لحظات شعرها وكأنها الدهر, أجاب الجندي " خذ البوابة الشرقية, ثم اتجه إلى أقصى الشمال. خذ البوابة الثالثة في الجهة اليسرى, ثم المفترق اليميني, وخذ بعد ذلك المفترق اليميني مرة أخرى. اجتز القوس الحجري الثاني, مكانهم خارج البوابة. ولكن أنصحك, لا تضع وقتك. إنهم لا يسمحون بدخول الزائرين."

كان هذا كل ما يحتاج تور سماعه. ومن دون تأخير أكثر, التفت وركض عبر الميدان, يتبع الاتجاهات, ويكررها في رأسه, في محاولة لحفظها. لاحظ أن الشمس عاليةٌ في السماء, وكانت صلاته الوحيدة أنه حين يصل, لا يكون متأخراً جداً.

*

انطلق تور إلى أسفل الطريق, ممرات يصطف على جانبيها الأصداف, تلتف وتدور بطريقه خلال البلاط. لقد فعل ما بوسعه باتباع الاتجاهات, على أمل أنه لم يكن مُضللاً. في النهاية البعيدة للساحة, رأى جميع البوابات, واختار الثالثة على الجهة اليسرى. ركض عبرها ثم اتبع مفترقات الطرق, المفترق تلو الآخر. ركض خلال الازدحام, والآلاف من الناس تتدفق إلى المدينة, والحشود تتزايد أعدادها في الدقيقة الواحدة. اصطدم مع عازفيّ العود و المشعوذين و المهرجين و جميع الذين يقدمون التسلية, وكانت ثياب جميعهم أنيقة مبهرجة.

لم يتمكن تور من تحمل فكرة أن يبدأ الاختيار بدونه, وبذل قصارى جهده في التركيز باختيار الاتجاهات, باحثاً عن أي علامة تدل على ميدانٍ للتدريب. لقد عبر من خلال القوس, واتجه إلى طريق آخر, وبعد ذلك, بعيداً, شاهد غايته. مدرّج صغير, بني من حجر بدائرة كاملة, و جنود يحرسون بوابة ضخمة ويقفون في مدخلها. سمع تور هتافاً مكتوماً من وراء جدرانه وبدأت دقات قلبه بالتسارع. كان هذا هو المكان.

انطلق تور, ورئته تكاد أن تنفجر. و عندما وصل إلى البوابة, تقدم اثنان من الحراس إلى الأمام و وجها رمحاهما إلى تور, ليمنعا الطريق. تقدم الحارس الثالث إلى الأمام واقفا كالنخلة و رافعاً يده في وجه تور.

"قف هنا," أمره بذلك.

توقف تور لبرهة, يلهث, وبالكاد يتمكن من إخفاء سعادته.

"أنت.. لا تفهم" صاح تور, والكلمات تخرج بصعوبة منه. " يجب أن أكون في الداخل. لقد تأخرت كثيرا."

"تأخرت عن ماذا؟"

"عن الاختيار."

التفت الحارس, وهو رجل ضخم قصير, وجلده يملأه البثور. نظر إلى الآخرين, الذين كان ينظرون بسخرية. وعاد ينظر إلى تور بنظرات مهينة.

"لقد تم نقل المجندين في الساعات الماضية, في عربات ملكية. إذا لم تكن مدعواً, لا يمكنك الدخول."

"ولكنك لا تفهم, يجب أن أدخل."

"تقول لي أنني لا أفهم, أنت صبي صغير وقح. كيف أتيت هنا وتحاول إرغامنا على إدخالك؟ اذهب الآن قبل أن أقيدك."

شعر بوخزة في صدره حين مسته يد الحارس, ولكن هذا لم يكن شيئا أمام شعور بالخيبة لرفضه. كان ساخطاً, لم يعبر كل هذه المسافة ليُبعد من حارس لم ينظر إليه حتى. كان مصمماً على هدفه في داخله.

عاد الحارس إلى رجاله, ومشى تور ببطء بعيداً, والتف حول المبنى الدائري. كان لديه خطة. مشى حتى أصبح بعيداً عن الأنظار, ثم انطلق مهرولاً, متخذاً طريقه على طول الجدران. لقد تحقق من أن الحراس لم يراقبوه, ثم أسرع خطواته حتى أصبح يعدو. عندما كان في منتصف الطريق حول المبنى لمح فتحة أخرى تقود إلى الساحة. كانت عالية حيث كانت الأقواس تنفتح في الحجر, مسدودة بقضبان حديدة. ولكن إحداها كانت بدون قضبان. سمع جلبة أخرى, رفع نفسه على الحافة ونظر.

تسارعت دقات قلبه. وقف مشدوهاً بميدان التدريب الدائري الضخم حيث كان يوجد العشرات من المجندين, بما فيهم إخوته, مصطفين. جميعهم يقفون مقابل العشرات من فرقة الفضة. مشى رجال الملك بينهم, يجمعونهم.

وقفت مجموعة أخرى من المجندين جانباً, تحت أعين الجنود, يرمون الرماح على أهداف بعيدة. واحد منهم أخطأ الهدف.

كانت شرايين تور تكاد تنفجر من سخطه. كان يمكن أن يصيب تلك الأهداف, كان جيداً كما كانوا جميعهم. فقط لأنه أصغر سناً, وأصغر حجماً, لم يكن من العدل أنه استُبعد بهذا الشكل.

فجأة, شعر تور بيد على ظهره تجره إلى الوراء ورماه في الهواء. سقط على الأرض بقوة, يتلوى.

نظر إلى الأعلى ورأى حارس البوابة, ينظر إليه باحتقار.

"ماذا أفعل بك أيها الصبي؟"

قبل أن يتمكن من الرد, انحنى الحارس مرة أخرى وركل تور بقوة. شعر تور بأن أضلاعه تتحطم, بينما كان الحارس ينحني لركله مرة أخرى. هذه المرة, مسك تور قدم الحارس التي كانت في الهواء, ودفعها بعيدا عنه, مُفقداً الحارس توازنه, وموقعا إيّاه على الأرض.

نهض تور بسرعة على قدميه, في الوقت ذاته, ثبت الحارس قدمي تور. حدق تور في وجهه, مصعوقاً بما قام به للتو. أمامه, كان وجه الحارس متجهماً.

"لن أكبلك فقط," هسهس الحارس, "ولكنني سأجعلك تدفع الثمن. لا أحد يلمس حرّاس الملك و ينجو! انسى أمر انضمامك إلى الفيلق, سوف تنفى بعيداً في زنزانة! ستكون محظوظاً إذا رآك أحد بعدها!"

سحب الحارس سلسلة بقيودٍ في نهايتها. اقترب من تور, ونظرة الانتقام في عينيه.

تزاحمت الأفكار في عقل تور. لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يكون مكبلاً, لكنه لا يريد أن يؤذي أحد حراس الملك. كان عليه أن يفكر بشيء وبسرعة.

تذكر مقلاعه. لم تستغرق ردة فعله أكثر من لحظة, وضع الحجر, حدد الهدف, ورماه في الهواء.

ارتفع الحجر في الهواء وأصاب الأغلال التي كانت في يد الحارس المذهول, لقد أصاب أيضاً أصابع الحارس. سحب الحارس يده, وهو يصرخ من الألم, بينما وقعت الأغلال على الأرض.

ألقى الحارس نظرة توعّد بالموت على تور, استل سيفه. خرج السيف مع حلقة معدنية مميزة.

"كانت هذه فرصتك الأخيرة’" قال الحارس مهدّداً بشكل مرعب, ثمّ وجّه سيفه.

لم يكن لدى تور أية خيارات, هذا الرجل لن يتركه أبداً. وضع حجراً آخر في مقلاعه والقاه على الحارس. لقد قصد عمداً أن لا يقتل الحارس, ولكنه اضطر لإيقافه. لذلك بدل أن يستهدف القلب أو الأنف أو العين أو الرأس, استهدف تور مكاناً واحداً كان يعرف أنه سيمنعه, ولكن لن يقتله.

بين ساقين الحارس.

ترك الحجر يطير لكن ليس بكامل قوته, لكن يكفي أن يصيب أسفل الرجل.

كان استهدافاً رائعاً.

سقط الحارس أرضاً, موقعاً سيفه, وواضعاً يده على خصيتيه وقد انهار على الأرض يتلوى من الألم.

"ستشنق عقاباً على ما فعلته," قال غاضباً وسط همهمات من الألم. " أيها الحرس! الحرس!"

نظر تور ورأى العديد من حراس الملك على مسافة منه يتوجهون إليه.

كان الآن أو أبداً.

دون إضاعة لحظة أخرى, انطلق إلى حافة النافذة. كان يجب أن يقفز من خلالها, إلى الساحة, ويعرّف عن نفسه. كان يمكن أن يقتل أي شخص يقف في طريقه.





الفصل الخامس


كان ماكجيل جالساً في القاعة العلوية من قصره, في قاعة الاجتماعات الخاصة, التي يستخدمها للشؤون الشخصية. جلس على عرشه الحميمي, الذي كان منحوتاً من الخشب, ونظر إلى أولاده الأربعة وهم يقفون أمامه. كان هناك ابنه البكر, كندريك, ذو الخمسة و العشرين عاماُ, محاربٌ فذّ و رجل حقيقي. كان من بين كل أبنائه, أكثرهم شبهاً لماكجيل, الأمر الذي كان يدعو إلى السخرية. كان هذا الطفل الغير شرعي, هو الخيانة الوحيدة لماكجيل مع امرأة أخرى, امرأة أصبحت منذ فترة طويلة طيّ النسيان. ربى ماكجيل كندريك مع أولاده الشرعيين, على الرغم من احتجاجات الملكة في البداية, بشرط أنه لن يعتلي العرش. هذا ما كان يؤلم ماكجيل الآن, منذ أصبح كندريك خيرة الرجال التي عرفهم في حياته, لقد كان ابناً يفخر به. لولا ذلك لما كان هناك وريث يستحق العرش أكثر منه.

بجانبه, في تناقض صارخ, وقف ابنه الثاني, ابنه الشرعي البكر, جاريث. كان في الثالثة و العشرين من عمره, نحيل ذو خدين جَوفَاوين, وعينين بنيّتين كبيرتين لم تتوقفا عن التحرك. لا يمكن لشخصيتان أن تختلفا كاختلاف شخصيته عن أخيه الأكبر. كان كل شيء في طبيعته يختلف عن كندريك, بينما كان شقيقه صريحاً, كان جاريث كتوماً لأفكاره, وحيث كان شقيقه نبيلاً وشريفاً, كان مخادعاً وغير شريف. كان ذلك يؤلم ماكجيل بأن يكره ابنه, وقد حاول مرات عديدة لتصحيح شخصيته, ولكن بعد تصرفات معينة في سنوات مراهقته, قرر ماكجيل أن طبيعته كانت مقدرة, المكيدة و التعطش للسلطة و الطموح الخاطئ بكل معنى الكلمة. كان جاريث أيضاً ليس لديه ميل للنساء, بل كان لديه الكثير من العشّاق الذكور. كان من الممكن لغيره من الملوك أن يخلعوا مثل هذا الابن, ولكن ماكجيل كان أكثر انفتاحاً, لم يكن هذا السبب لعدم حبه. لقد كان يحكم عليه بمدى شره وطبيعته الماكرة, التي كانت شيئا لا يمكن أن يغفل عنه.

اصطف بجانب جاريث ابنة ماكجيل الثانية, جويندولين. لقد أتمّت للتو عامها السادس عشر, كانت جميلة بشكل لم ترى عيناه مثلها في حياته, وقد تفوقت طبيعتها على مظهرها حتى. كانت لطيفة و سخية و صادقة, خيرة الفتيات التي عرفها على الإطلاق. في هذا الشأن, كانت مماثلة لكندريك. كانت تنظر إلى ماكجيل بنظرة حب الفتاة لوالدها, كان يشعر دائما بوفائها له في كل نظرة. كان فخوراً بها حتى أكثر من أبنائه.

بجانب جويندولين كان يقف أصغر أبناء ماكجيل. ريس, غلام صغير مفعم بالحيوية والفخر, في الرابعة عشر من عمره, كان يصبح رجلاً. كان ينظر إليه ماكجيل بسرور بالغ لانضمامه إلى الفيلق, واستطاع أن يرى فيه الرجل الذي كان على وشك أن يكون. في يوم ما, كان ماكجيل يعرف بلا شك أن ريس سيكون أفضل أبنائه, وحاكماً رائعاً. ولكن ذلك اليوم لم يكن قد حان. كان مازال صغيراً جداً, ولا يزال هناك الكثير ليتعلمه.

شعر ماكجيل بمشاعر مختلطة بينما كان يعاين أبنائه الأربعة, أولاده الثلاثة و ابنته, واقفين أمامه. لقد شعر بالفخر المختلط بخيبة الأمل. وشعر بالغضب والانزعاج أيضاً لغياب اثنين من أولاده, الابن الأكبر وابنته لواندا, بالطبع كانت تستعد لحفل زفافها, و منذ أن زُوّجت لمملكة أخرى, لم يكن لوجودها داع في مناقشة عن وليّ العهد. ولكن ابنه الآخر, غودفري, الذي كان في الثامنة عشر من عمره, أوسط أولاده, كان غائباً. احمر وجه ماكجيل من الغضب.

منذ أن كان صبياً, كان يُظهر غودفري عدم الاحترام للمملكة, كان من الواضح دائماً أنه لا يهتم لأمورها, ولن يعتلي العرش أبداً. وأكبر خيبة أمل لماكجيل, أن غودفري اختار بدلاً من ذلك إضاعة وقته في الحانات مع أصدقائه الأوغاد, مما سبب للعائلة الحاكمة العار والخزي المستمر. كان كسولاً يقضي معظم أيامه نائماً ويملئ وقته في بقية أيامه بالشرب. من ناحية, شعر ماكجيل بالارتياح أنه لم يكن هنا, ولكن من ناحية أخرى, كانت إهانة بأنه لم يكلف نفسه عناء الحضور. كان في الواقع قد توقع هذا, وكان قد أرسل رجاله لتمشيط الحانات وإعادته. جلس ماكجيل بصمت, ينتظر, حتى فعلوا.

انفتح باب البلوط الثقيل أخيراً ودخل الحرس الملكي يجرون غودفري بينهم. دفعوه إلى الأمام, وتعثر غودفري إلى الغرفة بينما أغلق الباب خلفه.

التفت أشقائه وشقيقته إليه يحدقون فيه. كان غودفري قذراً, تفوح منه رائحة الجعة, غير حليق و يرتدي نصف رداء. ابتسم في وجوههم, بوقاحة. كما هو دائماً.

"مرحبا, أبي." قال غودفري, "هل فاتتني التسلية؟"

"ستقف مع إخوتك وتنتظرني لأتكلم. إذا لم تفعل ذلك, فليساعدني الرب, سأقيدك في الأبراج المحصنة مع بقية السجناء العاديين, و إنك لن ترى الطعام و لن تحلم بالجعة لمدة ثلاثة أيام."

حملق غودفري في والده متحدياً. خلال تحديقه, اكتشف ماكجيل بعض القوة الكامنة العميقة فيه, وشيئاً من نفسه, شرارة من شيء يمكن أن يخدم غودفري يوم ما. وهذا, إذا كان يمكن أن يتغلب بأي وقت على شخصيته الخاصة.

بتمرد حتى النهاية, انتظر غودفري عشر ثوان قبل الامتثال أخيراً والاصطفاف أمام الآخرين.

نظر ماكجيل على أولاده الخمسة الذين وقفوا أمامه: الولد الغير شرعي, والمنحرف, والسكير, وابنته, وأصغر أولاده. كان مزيجاً غريباً. كان لا يستطيع تصديق أن جميعهم أولاده. و الآن في زفاف ابنته البكر, فإن مهمته هي اختيار وريث من هذه الحزمة. كيف كان ذلك ممكناً؟

كان ذلك ضرباً من العبث. على كل حال, إنه مازال في أوجه, ويمكن أن يحكم لأكثر من ثلاثين عاماً. أياً كان الوريث الذي سيختاره لن يعتلي العرش قبل عقود, لقد أثار غضبه هذا التقليد بأكمله. ربما كان له معنى في زمن آبائه, ولكن لم يكن له داع الآن.

"إننا نجتمع هنا اليوم بناءً على التقاليد. كما تعلمون, في هذا اليوم, يوم زفاف ابنتي البكر, تقع مهمة على عاتقي لتسمية وريث لي, وريث لحكم هذه المملكة. عندما أموت, لن يكون هناك أحد يصلح للحكم أكثر من والدتكم. ولكن قوانين مملكتنا تفرض بأن يكون الملك من الورثة فقط. وبالتالي, لابد لي من الاختيار."

اشتعلت أنفاس ماكجيل, مفكراً. ساد صمت ثقيل في الأرجاء, وكأنه كان يشعر بثقل الترقب. كان يتطلع في أعينهم, ويرى تعابير وجوههم المختلفة. كان ولده الغير شرعي مستكيناً, وهو يعلم بأنه لن يكون المختار. عيون الولد المنحرف كانت تتوهج بالطموح, كما لو أنه يتوقع بأن الخيار سيقع عليه بشكل طبيعي. أما ابنه السكير فكان ينظر من النافذة, غير مهتم. كانت ابنته تنظر إليه بحب, وهي تعلم أنها ليست جزء من هذه القرارات, ولكنها تحب والدها بالرغم من ذلك. كان أصغرهم يشعر بالشيء نفسه.

"كندريك, لقد كنت دائماً الابن البار. ولكن قوانين مملكتنا تمنعني من تولية العرش إلى أيّ شخص غير شرعي."

انحنى كندريك, " أبي, وأنا لم أتوقع منك أن تفعل ذلك. أنا مقتنع بقسمتي, من فضلك لا تدع هذا يربكك."

تألم ماكجيل من رده, حين شعر كم هو صادق وتمنى أن يسميه وريثاً أكثر من كل أولاده.

"هذا يترك لي أربعة منكم. ريس, أنت من خيرة الفتيان, وأنبل ما رأيت في حياتي. ولكنك أصغر من أن تكون جزءاً من هذا النقاش."

"كنت أتوقع ذلك, والدي." أجاب ريس مع انحناءة خفيفة.

"غودفري, أنت أحد أبنائي الثلاثة الشرعيين, لقد اخترت أن تضيع أيامك في الحانات, مع القذارة. كان من الممكن أن تأخذ كل الامتيازات في حياتك, ولكنك أهدرتها جميعها. إذا كان لدي خيبة أمل كبيرة في هذه الحياة, فهي أنت."

عبس وجه غودفري و التفت بشكل غير مريح.

"حسناً, إذن, أعتقد أنني انتهيت من هذا, ويجب أن أتوجه إلى الحانة, أليس كذلك يا والدي؟"

بانحناءة ساخرة سريعة, التفت غودفري يتهادى في جميع أنحاء الغرفة.

"عد إلى هنا! صاح ماكجيل. "الآن!"

استمر غودفري في التهادي, متجاهلاً والده. عبر الغرفة وفتح الباب.

كان اثنين من الحراس يقفان هناك.

اشتعل غضب ماكجيل بينما نظر إليه الحراس متسائلين.

ولكن غودفري لم ينتظر, شق طريقه بينهم, إلى القاعة المفتوحة.

"اعتقلوه" صاح ماكجيل." وأبعدوه عن نظر الملكة. لا أريد أن تثقل بهمه في يوم زفاف ابنتها."

"أمرك, سيدي" قال الحراس. وأغلقوا الباب مسرعين خلفه.

جلس ماكجيل هناك, يتنفس بصعوبة محمر الوجه, يحاول تهدئة نفسه. للمرة الألف, تساءل في نفسه ماذا فعل ليسمح لولده بأن يصبح على هذه الشاكلة.

أعاد نظره إلى باقي أولاده. أربعة منهم بادلوه النظرات, ينتظرون في صمت عميق. أخذ ماكجيل نفساً عميقاً, في محاولة للتركيز.

"وهذا يترك اثنين منكم" تابع ماكجيل " ولقد اخترت خليفتي منكم."

التفت ماكجيل إلى ابنته.

"جويندولين, أنت من ستكونين وريثتي."

كانت هناك شهقة في الغرفة, بدت الصدمة على وجوه أولاده جميعهم, ومن بينهم جويندولين.

"هل أنت متأكد, يا والدي؟" سأل جاريث. "هل قلت جويندولين؟"

"والدي, هذا يشرفني" قالت جويندولين. "لكن لا يمكنني القبول, أنا امرأة."

"صحيح, لم تجلس امرأة من قبل على عرش مملكتنا. ولكن لقد قررت أنه حان وقت تغيير التقاليد. جويندولين, أنت من خيرة الفتيات الشابات بعقلك وروحك. أنت صغيرة في السن, ولكن شاء الله أن تكوني وريثتي, يجب أن لا أموت في وقت قريب, وعندما يحين الوقت, سيكون لديك من الحكمة ما يكفي للحكم, وستكون لك المملكة."

"لكن أبي!" صرخ جاريث, بوجه شاحب." أنا ابنك الشرعي البكر! دائما, في كل تاريخ ماكجيل, ذهب الحكم إلى الابن البكر!"

"أنا الملك," أجاب الملك بوجه مكفهر, "أنا من يحدد التقاليد."

"ولكن هذا ليس عدلاً!" ناشد جاريث, وهو ينتحب." كان من المفترض أن أكون الملك, وليس أختي. ليس امرأة!"

"أغلق فمك يا فتى!" صاح ماكجيل, "هل تجرؤ على معاندة حكمي؟"

"هل هذا ما تظنه بحكمي؟ أنني أسلم الحكم لامرأة؟ لقد اتخذت قراري," قال ماكجيل. " وسيكون عليك احترامه, وتنفيذه بطاعة, ككل قراراتي في مملكتي. الآن. يمكنكم جميعكم أن تغادروا"

أحنى أولاده رؤوسهم بسرعة و سارعوا بالخروج من الغرفة.

ولكن جاريث توقف عند الباب, غير قادر على المغادرة.

التفت إلى الوراء, لوحده, واجه والده.

استطاع ماكجيل أن يرى خيبة الأمل في وجهه. من الواضح أنه كان يتوقع تسميته كوريث اليوم. حتى أكثر من ذلك, كان يريد ذلك بشدة. تلك لم تكن مفاجأة لماكجيل على الأقل كان هذا سبباً لعدم اختياره.

"لماذا تكرهني, يا والدي؟" سأل جاريث.

"أنا لا أكرهك. أنا لم أجد أنك تصلح لحكم مملكتي فقط."

"والسبب في ذلك؟" سأل جاريث.

"لأن ذلك هو بالضبط ما تسعى إليه."

تحول وجه جاريث إلى اللون القرمزي. من الواضح, أن ماكجيل جعله ينظر إلى طبيعته الحقيقية. شاهد ماكجيل عيناه, رآهم يحترقون بكراهية لم يكن يتخيلها أبداً.

من دون أن ينطق بكلمة أخرى, اندفع جاريث من الغرفة وأغلق الباب وراءه.

مع تردد صدى صوت الباب, ارتجف ماكجيل. مع تخيله لكراهية ابنه العميقة, أعمق حتى من كراهية أعدائه. في تلك اللحظة, تذكر أرجون و كلماته, عن الخطر الذي يصبح أقرب.

هل يمكن أن يكون الخطر أقرب من هذا؟









الفصل السادس


انطلق تور عبر الساحة الواسعة, بكل ما لديه من قوة. كان يسمع خطى حراس الملك خلفه, على مقربة منه. لقد طاردوه عبر الأرض الحارة الترابية, يشتمونه و هم يركضون. قبل دخوله كان أفراد الفيلق والمجندين الجدد منتشرين, عشرات من الفتيان, مثله, ولكن أكبر وأقوى. كانوا يتدربون ويُختبرون في تشكيلات مختلفة, بعضهم يرمي الرماح, و الآخر يلقي الحراب, وعددٌ قليل منهم يتدرب على قبضة الرماح. كان يرمون لأهداف بعيدة, ونادرا ما يخطئون الهدف, كانت هذه منافسة بينهم, وكانوا يبدون هائلين.

كان بينهم عشرات من الفرسان الحقيقيين, وأفراد من فرقة الفضة, يقفون في شكل نصف دائرة واسعة يراقبون التدريبات. يحكمون عليهم, و يقررون من سيبقى و من سيتم أرساله إلى دياره.

كان يعلم تور أنه عليه إثبات نفسه, وأن يثير إعجاب هؤلاء الرجال. في غضون لحظات يمكن للحراس أن يحاصروه, وإذا كانت لديه فرصة ليترك انطباعاً لديهم, سيكون الآن هو الوقت المناسب. ولكن كيف, تزاحمت الأفكار في عقله بينما كان يعدو عبر الساحة, مصراً على عدم ابتعاده.

كان تور يهرع عبر الميدان, حين بدأ الآخرون ينتبهون لوجوده. بعض المجندين توقفوا عمّا كانوا يفعلونه واتجهت أنظارهم إلى تور, كما فعل بعض الفرسان أيضاً. في غضون لحظات, شعر تور أن انتباه الجميع مركز عليه, كانوا ينظرون حائرين, وأدرك أنه من المؤكد أنهم يتساءلون من الذي كان, يركض عبر ميدانهم, وثلاثة من الحرس يطاردوه.

لم يكن هذا عن أنه يريد خلق انطباع فقط. كانت هذه حياته كلها, عندما كان يحلم بالانضمام إلى الفيلق, لم يكن هذا ما تخيله.

بينما كان تور يركض و يناقش ما يجب القيام به, رأى أمامه شيئاً لم يكن يتوقعه . كان صبياً كبيراً, من المجندين, قرر أن يأخذ على عاتقه مهمة إيقاف تور ليثير إعجاب الآخرين. كان طويل القامة, ذو عضلات كبيرة, تقريباً ضعف حجم تور, رفع سيفه الخشبي ليوقف طريق تور. تور رأى أن الفتى عازمٌ على إسقاطه أرضاً, ليجعل منه سخرية للجميع, وبالتالي يكسب لنفسه تفوقاً عن غيره من المجندين.

جعل هذا تور غاضباً. لم يكن لدى تور القدرة على الإمساك بهذا الصبي, ثم إن صراعه لم يكن معه. لكن هو من جعلها معركته, فقط للحصول على بعض المزايا عن الآخرين.

عندما اقترب أكثر, لم يستطع تصديق حجم هذا الصبي, كان أطول منه, مكشراً عن أسنانه مع خصلات شعر أسود كثيف تغطي جبينه, وكان يملك أكبر فك عريض رآه تور في حياته. لم يكن يعلم كيف سيواجه هذا الصبي.

رفع الصبي سيفه الخشبي باتجاهه, وعرف تور أنه إن لم يتصرف بسرعة, سوف يرمى خارجاً.

بدأت ردود فعل تور تظهر, أخرج مقلاعه بشكل غريزي, رجع إلى الوراء, وألقى صخرة على يد الصبي. أصابت هدفها وأوقعت السيف من يده, حيث كان الصبي يستعد لضرب تور به, طار السيف في الهواء, وبدأ الصبي بالصراخ, ممسكاً بيده.

لم يُضع تور أي وقت. استعد, مستفيداً من هذه اللحظة, وقفز في الهواء, راكلاً الصبي, غرس قدميه مباشرة على صدر الصبي. ولكن الصبي كان ثخيناً جداً, شعر بأنه ركل شجرة بلوط. تعثر الصبي بضع خطوات فقط, في حين تجمد تور كما هو وسقط عند قدمي الصبي.

هذا لا يبشر بالخير. فكر تور بينما كان يرتطم بالأرض, شعر بدويّ في أذنيه.

حاول النهوض على قدميه, ولكن الصبي كان على بعد خطوة منه. انحنى إلى الأسفل, أمسك تور من ظهره ورماه في الهواء, موقعاً إياه على وجهه في التراب.

تجمع حشد من الصبيان في دائرة حوله يهللون, احمر وجه تور و شعر بالإهانة.

حاول تور النهوض, ولكن الصبي كان سريعاً جداً. في تلك اللحظة كان فوقه, ملقياً تور أرضاً.

قبل أن يدرك تور ذلك, تحولت المواجهة إلى مباراة مصارعة. كان وزن الصبي هائلاً.

كان تور يسمع صيحات المجندين الآخرين وقد شكلوا دائرة حولهم, يصرخون, متلهفين للدماء.

كان وجه الصبي مكفهراً, اقترب الصبي من وجه تور وأراد أن يضع إبهاميه في عيون تور. لم يتمكن تور من تصديق ذلك, يبدو أن هذا الصبي يريد أن يُضرب حقاً. هل يصر بالفعل أن يحصل على امتياز؟

في آخر لحظة, أبعد تور رأسه عن يد الصبي تاركاً يده تغرق في الوحل. استغل تور الفرصة ليتدحرج من تحته.

نهض تور على قدميه واقفاً أمام الصبي, الذي وقف أيضاً. اندفع الصبي موجهاً قبضته نحو وجه تور, استطاع تور أن يتفادى ضربته في الثانية الأخيرة, اندفع الهواء عبر وجهه, وأدرك أنه إذا أصابته قبضة الصبي سيكسر فكه. اقترب تور ولكم الصبي في معدته, ولكنه بالكاد فعل شيئاً, كان مثل ضرب شجرة.

وقبل أن يقوم تور بردة فعل, كان الصبي قد ضرب بمرفقه وجه تور.

تعثر تور إلى الخلف, يعاني من الضربة. كانت مثل ضربة المطرقة, وبدأ يسمع طنيناً في أذنيه.

بينما كان تور متعثراً, لا يزال يحاول التقاط أنفاسه, ركله الصبي بقوة في صدره. ارتفع تور في الهواء وسقط على الأرض, لقد سقط على ظهره. هلل الفتيان الآخرين.

شعر تور بالدوار, و نهض كي يجلس قليلاً, ولكن الصبي اندفع نحوه ولكمه مرة أخرى بقوة في وجهه, مسقطاً تور على ظهره مرة أخرى, لقد كانت هذه الضربة القاضية.

تور كان ملقاً هناك, يسمع هتافات الآخرين, ويشعر بملوحة الدم الذي ينزف من أنفه, و بأثر الضرب على وجهه. لقد كان يتلوى من الألم. نظر إلى الأعلى, كان يستطيع رؤية الصبي الكبير يذهب بعيداً, عائداً إلى أصدقائه, ليحتفل بالفوز معهم.

أراد تور أن يستسلم. كان الصبي ضخماً, وقتاله لم يكن أمراً مجدياً, وقد يصيبه بلكمات أخرى. ولكن شيئاً ما بداخله دفعه, لا يكمن أن يخسر هكذا, ليس أمام هؤلاء الناس.

لا تستسلم. انهض. انهض!

بطريقة ما استعاد تور قوته. تدحرج ونهض على يديه وركبتيه, وهو يئن من الألم, ثم ببطء استطاع النهوض على قدميه.

التفت الصبي الضخم وحدق في تور, هزّ رأسه غير مصدقٍ ما رآه.

"يجب عليك أن تبقى على الأرض, أيها الصبي" قال مهدداً, وهو يمشي مرة أخرى نحو تور.

"كفى" صاح صوت. "إيلدين قف مكانك!"

تدخل فارس فجأة, ووقف بينهم, رافعاً يده في وجه إيلدين لإيقافه. سكت الحشد, كان جميعهم يترقب الفارس, كان من الواضح أنه رجل يستحق الاحترام.

نظر تور برهبة لوجود الفارس. كان في العشرينات من عمره, طويل القامة و عريض المنكبين, صاحب فك عريض و شعر بني مُسَرَّح. أعجب به تور على الفور. درعه من الطراز الأول, وترسه مصنوع من الفضة المصقولة, ومغطاً بعلامات ملكية, شعار الصقر لأسرة ماكجيل. كان قلب تور على وشك أن يتوقف, كان واقفاً وراء فرد من العائلة الملكية, إنه بالكاد يستطيع تصديق ذلك.

"أيها الفتى, عرف عن نفسك." قال لتور. "لماذا دخلت ميداننا بدون دعوة منا؟"

قبل أن يستطيع تور الإجابة, اقتحم ثلاثة أفراد من حرس الملك دائرة الميدان. وقف قائدهم هناك, يتنفس بصعوبة, ويشير بإصبعه إلى تور.

"إنه تحدى أوامرنا!" صاح الحارس. "سأقوم باعتقاله وأخذه إلى برج الملك المحصن!"

"أنا لم أرتكب أي خطأ!" احتج تور.

"لقد فعلت الآن؟" صاح الحارس. "اقتحام ممتلكات الملك بدون دعوة؟"

"كل ما أردته هو فرصة!" صاح تور, والتفت, يتوسل إلى الفارس, فرد العائلة المالكة. "كل ما أردته هو فرصة للانضمام إلى الفيلق!"

"ميدان التدريب هذا فقط للمدعوين أيها الفتى," جاء صوت أجش.

دخل إلى الميدان محارب, في الخمسينيات من العمر, ممتلئ الجسم و أصلع الرأس مع لحية قصيرة, و ندبة على وجهه. كان ينظر كأنه كان جندياً محترفاً طوال حياته, ومن العلامات على سلاحه, والدبوس الذهبي على صدره, كان يبدو أنه قائدهم. تسارعت نبضات قلب تور, لقد كان قائداً.

"أنا لم أكن مدعواً, يا سيدي" قال تور. "هذا صحيح. ولكن كان حلم حياتي أن أكون هنا, كل ما أريده هو فرصة لأظهر لكم ما يمكنني القيام به. أنا جيد بقدر أيّ من هؤلاء المجندين. فقط أعطني فرصة واحدة لإثبات ذلك من فضلك, الانضمام إلى الفيلق هو كل ما حلمت به في حياتي."

"هذه ليست ساحة قتال للحالمين, أيها الفتى," جاء رده بصوته الأجش. " إنها للمقاتلين, ليس هناك استثناءات لقوانيننا, المجندين يتم اختيارهم."

أومأ الجنرال, واقترب حارس الملك من تور, والأغلال في يده.

ولكن فجأة تقدم الفارس فرد العائلة المالكة إلى الأمام وأبعد يده, مانعاً الحارس.

"ربما, في بعض الأحيان, قد يكون هناك استثناء," قال الفارس.

نظر الحارس إليه بذعر, ومن الواضح أنه كان يريد التكلم, ولكن اضطر ليمسك لسانه احتراماً لأحد أفراد الأسرة المالكة.

"أنا معجب بروح التحدي لديك أيها الفتى," تابع الفارس. "قبل أن نخرجك من هنا, أرغب بأن أرى ما الذي يمكنك القيام به."

"لكن كندريك, لدينا قواعد." قال القائد, مستاءً بشكل واضح.

كان يوجد هناك مواجهة, كان الجو مشحوناً. لم يستطع تور تصديق ما الذي فعله.

"أنا أعرف والدي, وأعرف ما الذي كان سيريده. كان سيريد إعطاء هذا الفتى فرصة. وهذا هو ما سنفعله."

تراجع القائد أخيراً, بعد عدة لحظات من التوتر.

التفت كندريك إلى تور, كانت عيون تور تحدق بوجهه الأسمر والقاس. وجه أمير, ولكنه وجه محارب أيضاً.

"سأعطيك فرصة واحدة," قال الفارس لتور. "دعونا نرى إذا كان يمكنك أن تصيب تلك العلامة."

أشار إلى كومة من القش بعيدة في الميدان, مع علامة صغيرة حمراء في وسطها. وقد دخلت العديد من الرماح في القش ولكن لم يصيب أي منها العلامة.

"إذا كنت تستطيع أن تفعل ما لم يستطع فعله أحد من هؤلاء الفتيان, إذا كان بإمكانك أن تصيب تلك العلامة من هنا, عندها يمكن أن تنضم إلينا."

تنحى الفارس جانباً, وتور يستطيع أن يشعر بالعيون التي تراقبه.

لمح حامل الرماح ونظر إلى كل الرماح بعناية. كانوا من خيرة الأنواع الذي رآها في حياته, كانت مصنوعة من خشب البلوط الصلب, ملفوفة بأجود أنواع الجلود. ارتعد تور وهو يخطو إلى الأمام, مسح الدم عن أنفه بظهر يده, وهو يشعر بتوتر لم يشعر به طوال حياته. من الواضح أنه أُعطي مهمة مستحيلة تقريباً. ولكنه كان يجب أن يحاول.

اختار تور رمحاً, لم يكن طويلاً جداً, ولا قصيراً جداً. لقد وزنه في يده, كان ثقيلاً وكبيراً. ليس مثل الذي كان يستخدمه في قريته.

ولكنه كان يشعر أنه ربما, ربما فقط, يمكن أن يصيب تلك العلامة. بغض النظر عن كل هذا, كان رمي الرمح من أفضل مهاراته, بجانب إلقاء الحجارة, والأيام الكثيرة التي أمضاها في البراري أعطته أهدافاً كثيرة لإصابتها. وقد كان دائماً قادراً على إصابة أهداف حتى إخوته لم يستطيعوا إصابتها.

أغمض تور عينيه وتنفس بعمق. إذا أخطأ, ربما سيعتقله الحراس ويجرونه إلى السجن, وحينها ستدمر حظوظه في الانضمام إلى الفيلق للأبد. كل ما كان يحلم به في حياته معلّق على هذه اللحظة.

دون تردد فتح تور عينيه و أخذ خطوتين إلى الأمام, أرجع ذراعه إلى الخلف, وألقى الرمح.

انحبست أنفاسه وهو يشاهده يجري في الهواء.

من فضلك أيها الرب, من فضلك.

ساد صمت قاتل, وكان يمكن لتور أن يشعر بمئات العيون تتابع ذلك.

ثم جاء صوت, صوت لا يمكن أن يخطئ, صوت اختراق الرمح للعلامة. لم يكن تور مضطراً لأن ينظر. كان يعلم فقط أنها كانت إصابة محكمة. كان المسار الذي شعر به حين ترك الرمح يده, و زاوية معصمه, هو ما أخبره بأنها ستصيب.

تجرأ تور على النظر, ورأى مع ارتياح كبير, أنه كان على حق. وجد الرمح في مكانه وسط العلامة الحمراء, الرمح الوحيد الذي كان فيها. لقد فعل ما عجز الآخرون عن فعله.

كان صمت المذهولين يلفه, بينما كان يشاهد أفواه المجندين والفرسان فاغرة في وجهه.

أخيراً, تقدم كندريك و ربت على ظهر تور بقوة, و مع صوت هذا الاستحسان, ابتسم ابتسامة عريضة.

"كنت محقاً" قال كندريك. "يمكنك البقاء!"





Конец ознакомительного фрагмента. Получить полную версию книги.


Текст предоставлен ООО «ЛитРес».

Прочитайте эту книгу целиком, купив полную легальную версию (https://www.litres.ru/pages/biblio_book/?art=43698191) на ЛитРес.

Безопасно оплатить книгу можно банковской картой Visa, MasterCard, Maestro, со счета мобильного телефона, с платежного терминала, в салоне МТС или Связной, через PayPal, WebMoney, Яндекс.Деньги, QIWI Кошелек, бонусными картами или другим удобным Вам способом.



سلسلة طوق الساحر" لديها كل المقومات لتحقيق النجاح: المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة. سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. أوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية. " – ناقد الأفلام والكتب: روبرتو ماتوس. الكتاب الأكثر مبيعا ذو الترتيب الأول, مع أكثر من 500 تعليق على موقع أمازون ! من صاحب الكتب الأكثر مبيعا يأتي المؤلف مورغان رايس لأول مرة بسلسلة جديدةٍ من الخيال المذهل. السعي من أجل البطولة (الكتاب الأول في «طوق الساحر») يروي لنا قصةً حول ملحمة قادمة لفتى استثنائي, في عمر الرابعة عشر من قريةٍ صغيرةٍ على أطراف مملكة الطوق. الولد الأصغر من أربعة فتية, الأقل تفضيلاً عند والده و المكروهٌ من إخوته, إنّه الفتى تورجرين الذي يشعر بأنه مختلف عن الآخرين. يحلم بأن يصبح محارباً عظيماً وينضم إلى رجال الملك ويحمي الطوق من حشود المخلوقات على الجانب الآخر من وادي كانيون. عندما بلغ العمر المحدد منعه والده من محاولة الانضمام إلى فيلق الملك, رفض أن يأخذ «لا» كجواب, فيسافر معتمداً على نفسه وقد عزم على شقّ طريقه إلى البلاط الملكي كي يبدأ بحياةٍ جديدة كالتي يحلم بها. ولكن بلاط الملك مليءٌ بدراما تشبه تلك التي في أسرته, صراع على السلطة و طموحات وغيرة و عنف و خيانة. يجب على الملك ماكجيل اختيار وريث من بين أولاده, و سيف القدر الذي تملك الأسرة الحاكمة الذي يشكّل مصدراً لكل قوتهم لا يزال باقياً دون أن يلمسه أحد في انتظار وصول الوريث المختار. تورجرين يصل كدخيل و ينضم للعديد من المعارك كي يكون مقبولاً و ينضم إلى فيلق الملك. تورجرين يبدأ بمعرفة القوى الغامضة لديه والتي لا يفهمها, و يعرف أن لديه هديةً خاصةً ومصيراً خاصاً. عكس كل التوقعات يقع في حب ابنة الملك, وعند ازدهار علاقتهم المحرمة يكتشف أن لديه العديد من المنافسين الأقوياء. وهو يسعى لتصبح قواه ذات معنى يأخذ ساحر الملك تحت جناحه ويخبره عن أمٍّ له لم يعرفها أبداً, في أرضٍ بعيدةٍ وراء الوادي و أبعد من أرض التنين. قبل أن يتمكن تورجرين أن يغامر بالخروج وراء الوادي و يصبح المحارب الذي يتوق أن يكون, لا بد له من استكمال تدريبه. ولكن ذلك لن يمر بسهولة عندما يجد نفسه مدفوعاً وسط الكثير من المؤامرات, تلك التي قد تهدد حبه وتؤدي إلى سقوطه وسقوط المملكة بأكملها معه. السعي من أجل البطولة ي حكاية ملحمية عن الأصدقاء والعشاق, عن المنافسين و الخاطبين, عن الفرسان و التنانين, عن المؤامرات والمكائد السياسية, عن بلوغ سن الرشد, عن القلوب المكسورة, عن الخداع, عن الطموح و الخيانة. إنها حكاية عن الشرف وعن الشجاعة, عن الشعوذة. بل هي الخيال الذي ينقلنا إلى عالم لن ننساه أبداً, والذي سوف يجذب جميع الأعمار و الأجناس. إنها 71000 كلمة. ملاحظة: استجابة لطلبات القراء, يتم تحرير الكتاب وتنقيحه مهنياً, و في هذا الملف تمّ تصحيح كل الأخطاء النحوية والمطبعية. الكتب # 3 – # 14 من هذه السلسلة متاحةٌ الآن أيضا! حبكة حماسية تنسج عناصر الإثارة والغموض في خط القصة. «السعي من أجل البطولة» هي كل شيء عن صنع الشجاعة وعن تحقيق هدف الحياة الذي يؤدي بالإنسان إلى النمو والنضج والتميز.. لأولئك الذين يبحثون عن المغامرات الخيالية وعن الأبطال والإثارة هذه السلسلة توفر مجموعة ضخمة من المواجهات التي تركز جيداً على تطور تور من طفل حالم إلى شاب بالغ يواجه الصعاب المستحيلة من أجل البقاء.. بما يعد أن يكون بداية سلسلة ملحمية لشاب بالغ

Как скачать книгу - "السعي من أجل البطولة" в fb2, ePub, txt и других форматах?

  1. Нажмите на кнопку "полная версия" справа от обложки книги на версии сайта для ПК или под обложкой на мобюильной версии сайта
    Полная версия книги
  2. Купите книгу на литресе по кнопке со скриншота
    Пример кнопки для покупки книги
    Если книга "السعي من أجل البطولة" доступна в бесплатно то будет вот такая кнопка
    Пример кнопки, если книга бесплатная
  3. Выполните вход в личный кабинет на сайте ЛитРес с вашим логином и паролем.
  4. В правом верхнем углу сайта нажмите «Мои книги» и перейдите в подраздел «Мои».
  5. Нажмите на обложку книги -"السعي من أجل البطولة", чтобы скачать книгу для телефона или на ПК.
    Аудиокнига - «السعي من أجل البطولة»
  6. В разделе «Скачать в виде файла» нажмите на нужный вам формат файла:

    Для чтения на телефоне подойдут следующие форматы (при клике на формат вы можете сразу скачать бесплатно фрагмент книги "السعي من أجل البطولة" для ознакомления):

    • FB2 - Для телефонов, планшетов на Android, электронных книг (кроме Kindle) и других программ
    • EPUB - подходит для устройств на ios (iPhone, iPad, Mac) и большинства приложений для чтения

    Для чтения на компьютере подходят форматы:

    • TXT - можно открыть на любом компьютере в текстовом редакторе
    • RTF - также можно открыть на любом ПК
    • A4 PDF - открывается в программе Adobe Reader

    Другие форматы:

    • MOBI - подходит для электронных книг Kindle и Android-приложений
    • IOS.EPUB - идеально подойдет для iPhone и iPad
    • A6 PDF - оптимизирован и подойдет для смартфонов
    • FB3 - более развитый формат FB2

  7. Сохраните файл на свой компьютер или телефоне.

Видео по теме - حصرياً فيلم رجال بلا ثمن | بطولة سعيد صالح ويوسف شعبان

Книги серии

Книги автора

Аудиокниги автора

Рекомендуем

Последние отзывы
Оставьте отзыв к любой книге и его увидят десятки тысяч людей!
  • константин александрович обрезанов:
    3★
    21.08.2023
  • константин александрович обрезанов:
    3.1★
    11.08.2023
  • Добавить комментарий

    Ваш e-mail не будет опубликован. Обязательные поля помечены *