Книга - مسيرة الملوك

a
A

مسيرة الملوك
Morgan Rice


طوق الساحر #2
سلسلة ""طوق الساحر"" لديها كل المقومات لتحقيق النجاح: المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة. سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. أوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية.""

-- ناقد الأفلام والكتب: روبرتو ماتوس.



مسيرة الملوك يأخذنا خطوة أخرى في رحلة تور الملحمية في الرجولة, في وقت يبدأ فيه بتحقيق المزيد لنفسه, ماهي قوته, بينما سيبدأ ليصبح محارباً. بعد أن يهرب تور من الزنزانة, ترعبه معرفة شخص آخر حاول اغتيال الملك ماكجيل. عندما يموت ماكجيل. تصبح المملكة في حالة من الفوضى. حين يتنافس الجميع للعرش, تزداد القصص الدرامية في بلاط الملك أكثر من أي وقت مضى, ويزداد الصراع على السلطة والطموحات والغيرة والعنف والخيانة. يجب اختيار وريث من بين الأولاد, وسيف القدر الاسطوري, مصدر كل قوتهم, سيكون لدى شخص جديد الفرصة للسيطرة عليه. ولكن يمكن لكل هذا أن ينقلب: يتم استعادة سلاح الجريمة, ويضيق الخناق على القاتل. في نفس الوقت يواجه الماكجيل تهديداً جديداً من ماكلاود, الذين يستعدون للهجوم مرة أخرى داخل الطوق. تور يحارب لاستعادة حب جويندولين, ولكن قد لا يكون هناك وقت: أمر أنه يحزم أمتعته, ليكون في الجيش مع إخوانه لمائة يوم, مائة يوم قاسية في الجحيم يجب على أفراد الفيلق البقاء فيها عبى قيد الحياة. سيكون على الفيلق عبور وادي كانيون, إلى المنطقة وراء حماية الطوق, في البراري والإبحار في بحر تارتوفيان لجزيرة ميست, التي قيل أنه يحرسها تنين, لأجل دخولهم في مرحلة الرجولة والشجاعة. هل سيستطيعون العودة؟ وهل ستنجو الطوق في غيابهم؟ وهل سيعلم تور أخيراً مصيره؟ بتطورات هذه القصة الخيالية وخلق شخصياتها, مسيرة الملوك هي حكاية ملحمية عن الأصدقاء والمحبين, للمنافسين والخاطبين, للفرسان والتنانين, للمؤامرات والمكائد السياسية, عن بلوغ سن الرشد وعن القلوب المكسورة والخداع والطموح والخيانة. إنها حكاية شرف وشجاعة, عن القضاء والقدر وعن الشعوذة. هو الخيال الذي سينقلنا إلى عالم لن ننساه أبداً وسيجذب جميع الأعمار والأجناس. كتاب # 2 - # 13 في سلسلة متاحة الآن أيضا!







مسيرة الملوك

( الكتاب الثاني في سلسلة "طوق الساحر" )

مورغان ريس

ترجمة: محمد أويس ذو الغنى


عن الكاتب مورغان رايس

مورغان رايس هو مؤلف الكتاب الأكثر مبيعا "مجلة مصاصي الدماء " وهي سلسلة شباب بالغين تتألف من أحد عشر كتاباً (و النشر مال زال مستمراً); # 1 السلسلة الأكثر مبيعا "ثلاثية البقاء" وهي قصة رعب رهيبة تضم كتابين (و النشر مال زال مستمراً); و # 1 السلسلة الأكثر مبيعا ملحمة الخيال "طوق الساحر" تضم ثلاثة عشر كتاباً (و النشر مال زال مستمر).

كتب مورغان متوفرة في إصدارات مسموعة ومطبوعة, وتتوفر باللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية واليابانية والصينية والسويدية والهولندية والتركية والمجرية والتشيكية والسلوفاكية (مع المزيد من اللغات قريباً).

(كتاب # 1 في مجلات مصاص الدماء ) السعي من أجل البطولة, ( كتاب رقم 1 في طوق الساحر) كلاهما متاحان للتنزيل مجاناً على متجر سوق بلاي !

مورغان يحب أن يسمع منك, لذلك لا تترد في زيارة www.morganricebooks.com (http://www.morganricebooks.com) للانضمام إلى قائمة البريد الإلكتروني لديه والحصول على الكتب مجاناً و تلقي الهدايا, قم بتحميل التطبيق مجاناً واحصل على آخر الأخبار الحصرية. تواصل معنا عبر الفيسبوك و تويتر وابقى على اطلاع بكلّ جديد !


بعض التعليقات المختارة عن مورغان رايس

"سلسلة "طوق الساحر" لديها كل المقومات لتحقيق النجاح :المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة. سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. أوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية."

-- ناقد الأفلام والكتب: روبرتو ماتوس.

"رايس يقوم بعمل عظيم بجذبكم للقصة من البداية, باستخدام نوعية تصويرية رائعة تفوق مجرد لوحة العرض... مكتوبة بشكل رائع و يمكن قراءتها بسرعة "

-- الناقد بلاك لاجون (بخصوص الصياغة)

"إنها قصة مثالية للقرّاء الشباب. مورغان رايس قام بعمل جيد بنسج التحول بشكلٍ مثير للاهتمام... منعش وفريد من نوعه. السلسلة تركز حول فتاة واحدة. ..فتاة واحدة غير عادية... سهلة القراءة لكن وتيرتها سريعة للغاية... تقييم PG "

-- The Romance Reviews ( (بشأن تغير الأحداث).

"جذبت انتباهي منذ البداية ولم أستطع التوقف حتى أكملتها... هذه القصة هي حكاية مذهلة ذات إيقاعٍ سريع و مليئة بالأحداث منذ البداية. لا يمكنك إيجاد أيّ أحداث تشعرك بالملل."

-- Paranormal Romance Guild (بشأن تغير الأحداث).

"القصة المليئة بالأحداث, الرومانسية و المغامرة و التشويق. سوف تضع يدك على قلبك أثناء قراءتها و ستقع في الحب من جديد."

-- vampirebooksite.com (بشأن تغير الأحداث).

"مؤامرة كبيرة فهذا هو النوع من الكتب الذي يجعلك لا تستطيع أن تتركه حتى تقوم بإنهائه. النهاية دائماً مشوقة و مذهلة و تجعلك تريد فوراً شراء الكتاب التالي من أجل أن ترى ما الذي سيحصل."

-- The Dallas Examiner (بشأن الحب).

"كتاب منافس لكتب TWILIGHT و VAMPIRE DIARIE, و أحد القص التي من شانها أن تجعلك ترغب في القراءة حتى الصفحة الأخيرة. إذا كنت من محبيّ المغامرة و مصاصي الدماء فهذا الكتاب مناسبٌ جداً بالنسبة لك."

-- Vampirebooksite.com (بشأن تغير الأحداث).

"يثبت مورغان ريس نفسه مرةً أخرى بأنه أحد الروائيين الموهوبين للغاية... و هذا يستقطب مجموعةً كبيرةً من الجمهور, بما في ذلك المتابعين المراهقين لهذا النوع من الخيال و مصاصي الدماء. تنتهي بتشويق غير متوقع يتركك بصدمةٍ كبيرة."

--The Romance Reviews (بشأن الحب)


طوق الساحر

السعي من أجل البطولة (1)

مسيرة الملوك (2)

مصير التنانين (3)

صرخة شرف (4)

قَسم الشرف (5)

ثمن الشجاعة (6)

طقس السيوف (7)

هبة الأسلحة (8)

سماء السحر (9)

بحر الدروع (10)

عهد الفولاذ (11)

أرض النار (12)

حكم الملكات (13)

ثلاثية البقاء

الميدان الأول (1)

الميدان الثاني (2)

يوميات مصاص دماء

التحول (1)

الحب (2)

الخيانة(3)

القدَر(4)

الأمل (5)

الوعد بالزواج (6)

المنذور(7)

الموجود (8)

البعث (9)

الشهوة (10)

القدر المحتوم (11)





(https://play.google.com/store/books/author?id=Morgan+Rice)


حقوق التأليف والنشر © 2012 من قبل مورغان رايس, جميع الحقوق محفوظة. باستثناء ما هو مسموح به بموجب قانون حقوق النشر الأمريكي لعام 1976, لا يجوز نسخ أي جزء من هذا المنشور أو توزيعه أو نقله بأي شكل أو وسيلة, أو تخزينه في أنظمة التخزين واسترجاع البيانات دون الحصول على إذن مسبق من المؤلف. تم ترخيص هذا الكتاب الالكتروني لتسليتك الشخصية فقط . لا يجوز إعادة بيع أو منحه إلى أشخاص آخرين. إذا كنت ترغب في مشاركة هذا الكتاب مع شخص آخر يرجي شراء نسخة إضافية لكل مستلم. إذا قرأت هذا الكتاب دون شرائه أو لم يتم شرائه لاستخدامك الخاص فقط, يرجى إعادته وشراء نسختك الخاصة. أشكرك على احترام العمل الشاق لهذا الكاتب. هذا عمل خيالي. الأسماء والشخصيات والمؤسسات والأماكن والأحداث والحوادث إما هي نتاج خيال المؤلف أو تم استخدامها وهمياً. وأي تشابه مع أشخاص حقيقين, أحياء أو أموات, هو من قبيل الصدفة تماماً. حقوق طبع ونشر صورة غلاف الكتاب من قبل RazoomGame, وتستخدم بموجب ترخيص من Shutterstock.com.


المحتويات

الفصل الأول (#ulink_53eb1104-241d-5c3a-9e1b-1170be0bb291)

الفصل الثاني (#ulink_541e5884-c0e1-58a0-adf1-adc361d32a18)

الفصل الثالث (#ulink_79b89714-c7bc-51c2-b193-924c529ca358)

الفصل الرابع (#ulink_6f8a5ab3-49bf-5ba6-879f-4816e7f4dcd9)

الفصل الخامس (#ulink_ea25632f-80ca-51da-9850-e5c8c5df712c)

الفصل السادس (#ulink_2300defd-05d4-5ce9-ba50-c421481a1d5d)

الفصل السابع (#litres_trial_promo)

الفصل الثامن (#litres_trial_promo)

الفصل التاسع (#litres_trial_promo)

الفصل العاشر (#litres_trial_promo)

الفصل الحادي عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثاني عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثالث عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الرابع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الخامس عشر (#litres_trial_promo)

الفصل السادس عشر (#litres_trial_promo)

الفصل السابع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثامن عشر (#litres_trial_promo)

الفصل التاسع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل العشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الحادي والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الثاني والعشرون (#litres_trial_promo)




الفصل الأول


دخل الملك ماكجيل إلى غرفته وهو يتعثر بسبب إسرافه في الشرب, كانت الغرفة تدور به ورأسه يكاد ينفجر من الاحتفالات في هذه الليلة. كانت امرأة لا يعرف اسمها متعلقةٌ بجانبه وتلف إحدى ذراعيها حول خصره, تقوده نحو سريره مع قهقهةٍ عالية ومع قميصها الذي نُزع نصفه. ثمّ قام الخادمان بإغلاق الباب خلفهما و اختفى الصوت تدريجياً.

لم يكن الملك ماكجيل يعرف أين كانت زوجته الملكة, وفي الواقع لم يكن يهتم في هذه الليلة. لقد أصبحا نادراً ما يتشاركان السرير معاً, وغالباً ما كانت تنعزل إلى غرفتها الخاصة, خصوصاً في ليالي الاحتفالات, عندما تبقى الولائم لوقت طويل جداً. لقد كانت تعرف هذه الأمور التي يغرق فيها زوجها, ولكن يبدو أنها لا تهتم أبداً لذلك. رغم كل شيء, كان الملك وكانت ملوك ماكجيل تحكم بالحق.

ولكن بينما كان ماكجيل ينطلق إلى السرير بدأت الغرفة تدور به بشدة, وفجأة تجاهل المرأة التي كانت أمامه. ولم يعد في مزاج لذلك.

"اتركيني!" أمرها ماكجيل وهو يدفعها عنه بعيداً.

وقفت المرأة هناك مصابةً بالذهول ومتألمة من ذلك, ثمّ فُتح الباب وعادت إلى الحضور. قام أحدهم بشدها بذراعه وسحبها إليه. لقد كانت تعارض ذلك ولكن صرخاتها اختفت بينما كان الباب يُغلق خلفها.

جلس ماكجيل على حافة السرير واضعاً رأسه بين يديه, محاولاً أن يوقف هذا الصداع. كان من الغير المعتاد أن يحصل له صداع في هذا الوقت المبكر, قبل أن يأخذ الشراب مفعوله بشكل كامل, و لكن هذه الليلة كانت مختلفة. لقد تغيّر كل ذلك بسرعة. لقد كانت الوليمة تسير على ما يرام, لقد تمّ تجهيزها مع اختيارات جيدة من اللحوم والنبيذ القوي, عندما قام ذلك الفتى تور, بالظهور فجأة و تدمير كلّ شيء. قام بالتدخل أولاً مع حلمه السخيف, ثمّ كان لديه الجرأة لضرب الكأس من يد الملك.

ثمّ ظهر ذلك الكلب ولعق الشراب من الأرض, وسقط بعدها ميّتاً أمام الجميع. لقد اهتزّ ماكجيل منذ ذلك الحين. لقد حاول شخصٌ ما تسميمه, إدراك هذه الحقيقة جاء كضربة المطرقة. لقد حاول أحدهم اغتياله, بالكاد يمكنه تصديق الأمر. لقد تسلل شخصٌ ما وتجاوز حراسه, واستطاع تجاوز متذوقي الطعام والنبيذ. لقد كان على بعد لحظات من أن يكون ميتاً, لقد هزّه ذلك بقوة.

لقد أشار إليهم بأن يأخذوا تور إلى الزنزانة, وتساءل مرةً إذا كان ذلك صحيحاً. فمن ناحية, لا يمكن للصبي أن يعرف أنّ تلك الكأس مسمومة لو يمكن هو من قام بذلك أو بطريقةٍ ما متواطئاً في تلك الجريمة. ومن ناحيةٍ أخرى, هو يعرف أنّ لدى تور قدراتٍ عميقةٍ وغامضة, غامضةٍ جداً, و ربما كان يقول الحقيقة. ربما كان قد رأى ذلك في منامه. ربما كان تور في الواقع قد أنقذ حياته, و ربما كان ماكجيل قد أرسل إلى الزنزانة شخصاً مخلصاً حقاً.

انفجر رأس ماكجيل من التفكير, وهو جالسٌ هناك يفرك جبينه محاولاً استيعاب ذلك كله. و لكنه كان في حالة سكر أكثر من اللازم في تلك الليلة, كان عقله مشوشاً جداً, الأفكار تتدافع في عقله ولا يستطيع الوصول إلى أيّ شيء. كان الجو حاراً جداً هناك, في ليلةٍ صيفيةٍ خانقة, وجسده محموم بسبب الغرق لعدة ساعات في الطعام والشراب, كان يشعر بجسده وهو يتعرق.

نهض ماكجيل و رمى عباءته بعيداً عن جسده, ثمّ قميصه الخارجي, وتعرّى من كل شيء ما عدا القميص الداخلي. مسح العرق من على جبينه, ثمّ من على لحيته. انحنى قليلاً و خلع حذائه الضخم , وأخذ يضافر أصابعه مع بعضها حالما وصل الهواء إليها. جلس هناك وهو يتنفس بصعوبة, محاولاً استعادة توازنه. كان بطنه منتفخاً, و مرهقاً جداً. دفع نفسه بقدميه للأعلى واستلقى على السرير, مريحاً رأسه على الوسادة. تنهد ماكجيل و نظر إلى الأعلى, إلى السقف, و أراد أن تتوقف الغرفة عن الدوران.

من يريد قتلي؟ تساءل مرةً أخرى. لقد أحبّ تور مثل ابنه, وأحسّ في داخله بأنّه لا يمكن أن يكون هو من قام بذلك. تساءل عمّن يمكن أن يكون, ماذا يمكن أن تكون الدوافع؟ و الأهم من ذلك, هل سيحاولون مرةً أخرى. هل كان آمناً؟ وهل كانت رُؤى أرجون صحيحة؟

شعر ماكجيل بثقلٍ في عينيه, وأحسّ بأن جواب ذلك خارج قدرات عقله الآن. لو كان عقله أكثر تركيزاً, ربما كان استطاع فهم ذلك كله. ولكن عليه أن ينتظر حتى طلوع الشمس كي يستدعي مستشاريه, و يبدأ بالتحقيق. كان السؤال الذي يدور في عقله ليس من أراد قتله, ولكن من الذي لا يريد موته. إنّ بلاطه مليءٌ بالناس التي تتوق إلى الوصول إلى العرش. قادة الجند الطموحين, أعضاء المجلس الدهاة و اللوردات المتعطشين للسلطة و الجواسيس, الخصوم القدامى و القتَلى من ماكلاود, و ربما حتى ساكنوا البراري. ربما أقرب من ذلك بكثير.

رفرفت عيون ماكجيل وهو يغطّ في نومٍ عميق. و لكن شيئاً ما استرعى انتباهه و أبقى عينيه مفتوحتان. لقد أحسّ ببعض الحركة و نظر إلى الأمام فلم يجد مرافقيه هناك. ألقى نظرة سريعة في المكان وهو مشوش. لم يتركه مرافقيه وحيداً من قبل أبداً, وفي الواقع لا يتذكر آخر مرةٍ بقي فيها وحيداً في هذه الغرفة. ولا يتذكر أنه أمرهم بالمغادرة. و الأغرب من ذلك, أن بابه كان مفتوحاً على مصراعيه.

وفي نفس اللحظة سمع ماكجيل صوتاً من الجانب الآخر من الغرفة, التفت و نظر إلى هناك. كان هناك ظلٌّ يمتد على الجدار بسبب المشاعل, ظل رجلٍ طويل القامة و نحيل, يرتدي عباءةً سوداء مع غطاءٍ منسدلٍ على وجهه. طَرَف ماكجيل عدة مرات محاولاً معرفة ما يراه أمامه. في البداية كان واثقاً أنها مجرد ظلال, و أن وميض المشاعل تتلاعب في عينيه.

ولكن بعد لحظات اقترب ذلك الشيء عدة خطوات باتجاهه وأخذ يقترب من السرير بسرعة. حاول ماكجيل التركيز في ذلك الضوء الخافت, لمعرفة من الذي كان هناك. بدأ بالجلوس بشكلٍ غريزي, و أخذ يمدّ يديه إلى خصره محاولاً سحب سيفه أو على الأقل خنجره. و لكنه كان عار من ملابسه ولم تكن معه أيّة أسلحة. جلس هناك على سريره منزوع السلاح.

أصبح ذلك الشكل يتحرك بسرعةٍ كبيرة الآن, كالثعبان في الليل. أصبح قريباً جداً وبينما كان ماكجيل يجلس, أخذ نظرة على وجهه. كانت الغرفة لا تزال تدور به, و السكر يمنعه من التركيز بشكل كبير, و لكن للحظة استطاع تمييز تقاسيم وجه ابنه.

غاريث؟

امتلأ قلب ماكجيل بالذعر بشكل مفاجئ, و تساءل عمّا يمكن أن يكون ما يفعله هنا, بشكل سريّ وفي هذه الساعة المتأخرة من الليل.

"بُني؟" صاح ماكجيل.

رأى ماكجيل نية القتل في عينيه, وكان هذا كلّ شيءٍ يحتاج إلى رؤيته. حاول القفز خارج سريره.

و لكن الشبح تحرك بسرعةٍ كبيرة جداً. و انطلق باتجاه ماكجيل و قبل أن يتمكن من رفع يده للدفاع عن نفسه, كان هناك شيءٌ لامعٌ في يده, و بسرعةٍ كبيرة جداً, كان هناك نصلٌ يشقّ الهواء و ينغرس في قلبه.

صرخ ماكجيل, صرخةً عميقةً من الألم, و فوجئ بهذا الصوت الذي صرخ به. كانت صرخة معركة, صوتاً سمعه مراتٍ كثيرةٍ جداً. كانت هذه صرخة محارب مصاب بجروح خطيرة.

شعر ماكجيل بذلك المعدن البارد يخترق أضلاعه, ويندفع خلال عضلاته مختلطاً مع دمه, ثمّ اندفع أعمق وأعمق, كان الألم أكثر شدةً مما كان يتصور في أي وقتٍ مضى, و هو يشعر بأنه لن يتوقف عن الانغراس أبداً. خلال هذه اللحظات الشديدة, شعر بالحر و أحس بالدم المالح في فمه, وشعر بنَفسه يصبح أكثر صعوبة. و بصعوبة كبيرة أجبر نفسه على النظر إلى الأعلى, على الوجه الذي كان خلف ذلك الغطاء. تفاجئ ماكجيل, لقد كان مخطئاً. لم يكن ذلك وجه ابنه. لقد كان شخصاً آخر. شخصٌ ما استطاع أن يتعرّف عليه. و لكنه لا يستطيع تذكر من هو, كان شخصاً مقرباً منه. شخصٌ ما بدا و كأنه ابنه.

كاد دماغه أن يتمزق وهو يحاول معرفة اسم صاحب هذا الوجه.

بينما أصبح ذلك الشخص فوقه, تمكّن ماكجيل وبطريقةٍ ما من رفع يده ودفع الرجل بها من كتفه, في محاولة لإيقافه. بدأ يشعر بموجةٍ من قوة المحاربين القدامى ترتفع في داخله, أحسّ بقوة أسلافه, أحسّ بشيءٍ عميق في داخله جعل منه ملكاً وحمله على عدم الاستسلام. بدفعةٍ واحدةٍ هائلة, استطاع أن يبعد ذلك القاتل بكل قوته.

كان الرجل ضعيفاً جداً, أنحل مما كان يعتقد ماكجيل, ورجع إلى الخلف متعثراً مع صرخة انطلقت عبر الغرفة. تمكن ماكجيل من الوقوف وبقوةٍ كبيرة, وصلت يداه إلى الأسفل وقام بسحب السكين من صدره. رماها عبر الغرفة وأصدرت رنةً عند وقوعها على الأرض الحجرية, ثمّ انزلقت عبر الغرفة واصطدمت بالحائط البعيد.

الرجل الذي سقط قناعه فوق كتفيه, وقف على قدميه وهو يتعثر و يحدّق بعنينه الواسعتين مع بعض الخوف, حين بدأ ماكجيل بالاقتراب منه وإلقاء ثقله عليه. ولكن الرجل التفت بسرعة وركض عبر الغرفة. ثمّ توقف فقط للحظة تمكّن فيها من استرداد خنجره قبل أن يتمكن من الهرب.

حاول ماكجيل مطاردته ولكن الرجل كان سريعاً جداً, فجأةً شعر ماكجيل ببعض الألم يزداد داخله ويخترق صدره. شعر بنفسه يزداد ضعفاً.

وقف ماكجيل هناك وحيداً في الغرفة, و نظر إلى الأسفل إلى الدم الذي ينهمر من صدره, إلى داخل راحة يده المفتوحة. ثمّ انهار على ركبتيه.

شعر بجسده يزداد برودة, وانحنى إلى الأمام محاولاً استدعاء أحدٍ ما.

"أيها الحراس," جاءت صرخته بصوتٍ خافت.

أخذ نفساً عميقاً وبصعوبةٍ شديدة, تمكّن من استجماع قوته, ليطلق صرخةً واحدة ملكيّة.

"أيها الحراس!" صرخ عالياً.

سمع بعض دعسات الأقدام من الرواق البعيد, وهي تقترب ببطء. سمع الباب البعيد يُفتح واستشعر بتلك الدعسات تصبح قريبةً منه. ولكن الغرفة بدأت تدور به مرةً أخرى, هذه المرة ليس بسبب الشرب.

كان آخر شيءٍ رآه هو تلك الأرض الحجرية الباردة, وهي ترتفع كي تواجه وجهه.




الفصل الثاني


أمسك تور باليد الحديدية للباب الخشبيّ الكبير الذي كان أمامه, وسحبه بكلّ قوته. فُتح الباب ببطء وهو يصدر صريراً ثمّ ظهرت أمامه غرفة الملك. مشى خطوةً إلى الأمام, وهو يشعر برعشةٍ في يديه أثناء عبوره لعتبة الباب. كان يمكنه أن يشعر بالظلام الدامس هنا, العالق في الهواء مثل الضباب.

مشى تور عدة خطواتٍ إلى الأمام, كان يسمع حسيس النار في المشاعل المعلقة على الجدران وهو يشقّ طريقه باتجاه الجسم الملقى على الأرض. لقد شعر بأنّه الملك, بأنّه قُتل, لقد كان متأخراً جداً. لم يتمكن تور من مساعدته ولكنه تساءل أين كان جميع الحراس ولماذا لا يوجد أحدٌ هنا لإنقاذه.

شعر تور بالضعف في ركبتيه بينما كان يتخذ خطواته الأخيرة نحو جثة الملك. نزل تور على الأرض وأمسك بكتف الملك البارد, ثمّ أرجع جسد الملك إلى الخلف.

لقد كان ماكجيل, الملك السابق, ملقاً هناك بعيونه الجاحظة, إنّه ميت..

نظر تور إلى الأعلى وفجأةً وجد مرافق الملك يقف فوق رأسه ممسكاً بقدح مرصع بالجواهر, لقد استطاع تور التعرّف عليه, إنّه من مائدة الليلة. إنه القدح المصنوع من الذهب الخالص والمغطى بصفوفٍ من الياقوت والمرجان. وبينما كان يحدّق بتور, قام المرافق بسكب الكأس ببطءٍ على صدر الملك. رُشَّ تور بالنبيذ في جميع أنحاء وجهه.

سمع تور صرخةً عالية, ورفع رأسه و رأى صقره إيستوفيليس واقفاً على كتف الملك, يمسح النبيذ من على خده.

سمع تور بعض الضوضاء ,التفت و رأى أرجون يقف فوق رأسه ويحدّق به بصرامة. ويحمل التاج بإحدى يديه, والعصا بيده الأخرى.

مشى أرجون إلى الأمام ووضع التاج على رأس تور بقوة. لقد تمكّن تور من الشعور بذلك, تمكّن من الشعور بوزن التاج وهو يضغطه على رأسه, ويأخذ مكانه بالشكل الصحيح, يمكنه أن يشعر بمعدن التاج يعانق صدغيه. نظر إلى أرجون متعجباً.

"أنت الملك الآن," صاح أرجون موضحاً.

رمش تور بعينيه قليلاً, وعندما فتحهما وجد جميع أعضاء فرقة الفضة يقفون أمامه, مع المئات من الرجال والفتيان في جميع أنحاء الغرفة, جميعهم يتوجهون إليه. وجميعاً كرجل واحد, ركعوا ثمّ سجدوا حتى اقتربت وجوههم من الأرض.

"ملكنا," انطلق الأصوات معاً.

استيقظ تور فجأة. كان يجلس بوضعية مستقيمة, يتنفس بصعوبة وينظر إلى كلّ شيء حوله. كان المكان مظلماً ورطباً هناك, ثمّ أدرك أنه يجلس على أرضية حجرية, وظهره إلى الحائط. حدّق بعينين نصف مغمضتين في الظلام ورأى القضبان الحديدة على مسافة منه, وأبعد منها كان هناك شعلة تهتز بعيداً. كان قد تمّ جرّه إلى هنا, بعد الوليمة.

تذكر الحارس, وهو يلكمه على وجهه. ثمّ تذكر أنه فقد وعيه. لا يعرف منذ كم كان ذلك. جلس تور وهو يتنفس بعصوبة, محاولاً أن يتخلص من ذلك الحلم المرعب. لقد بدا كأنه حقيقي. كان تور يصلي ألّا يكون ذلك صحيحاً, وأنّ الملك لم يمت. لقد جاءت صورة الملك وهو ميت إلى ذهنه, هل كان تور يرى شيئاً حقيقاً؟ أم أن ذلك كان خيالاً فقط؟

شعر تور بشخصٍ يركله على قدمه, نظر إلى الأعلى فرأى شخصاً يقف فوق رأسه.

"وأخيراً استيقظت ," جاء صوت من فوق رأسه. "أنا أنتظر منذ ساعات."

وفي الضوء الخافت نظر تور إلى وجه الصبي الصغير, أراد معرفة عمره. لقد كان نحيلاً وقصيراً, ذو خدين أجوفين وجلد مثقب, يبدو أن هناك فتى ذكي خلف تلك العينين الخضراوتين.

"أما ميريك," قال الصبي. "زميلك في الزنزانة, لماذا أنت هنا؟"

جلس تور بشكل مستقيم, حنى ظهره على الحائط ومرر يديه من خلال شعره, محاولاً أن يتذكر, وأن يجمع كل ما حصل معاً.

"يقولون أنك حاولت قتل الملك," تابع ميريك.

"لقد حاول قتل الملك, وسنقوم بتمزيقه إرباً إذا خرج من خلف تلك القضبان," جاء صوت مليءٌ بالغضب.

انطلقت جوقة من القعقعة, كانت أصوات الأكواب وهي تُطرق بقوة على القضبان المعدنية, نظر تور إلى الخارج ورأى في ضوء المشعل الممر المليء بالزنازين, والسجناء بشعي المظهر الذين يلصقون رؤوسهم بالقضبان المعدنية, وهم ينظرون باحتقار إليه. معظمهم كانوا غير حليقين, مع الكثير من الأسنان المفقودة, بدا بعضهم كأنه هنا منذ سنوات. كان مشهداً مرعباً, وأجبر تور نفسه على النظر بعيداً عن ذلك. هل كان حقاً موجوداً هنا؟ هل سيكون عالقاً هنا في الأسفل, مع هؤلاء الناس وإلى الأبد؟

"لا تقلق بشأنهم," قال ميريك. "لا يوجد سوى أنا وأنت هنا. لا يستطيعون الوصول إليك, وأستطيع الاهتمام بالأمر إذا كنت قد سممت الملك. أودّ أن أسممه بنفسي."

"لم أقم بتسميم الملك," قال تور بسخط. "لم أقم بتسميم أحد. كنت أحاول إنقاذه. وكل ما فعلته هو دفع القدح بعيداً من يد الملك."

"وكيف عرفت أن الكأس مسموماً؟, صرخ صوتٌ من نهاية الممر, متنصتاً على حديثهما. "أفترض أنك ساحر؟"

ثمّ جاء صوت ضحك ساخر من أول ممر الزنزانات حتى نهايته.

"إنه ساحر روحي," صاح أحدهم ساخراً.

ضحك الأخرون.

"لا, لقد كان مجرد تخمين محظوظ!؟ صاح آخر, كي يجلب سخرية الآخرين.

حملق تور بسخط, ممتعضاً من تلك الاتهامات, وراغباً في وضع حدّ لكلٍّ منهم. لكنه عرف أن ذلك سيكون مضيعة للوقت. وإضافة إلى ذلك, لا يمكنه أن يدافع عن نفسه أمام هؤلاء المجرمين.

نظر إليه ميريك وهو يتأمله, مع نظرة خاليةٍ من الشكوك. بدا كما لو أنه يريد مناقشته.

"أنا أصدقك," قال بهدوء.

"حقاً؟" سأل تور.

هزّ ميريك كتفيه مستهجناً.

"بعد كل ذلك, لو كنت تريد القيام بتسميم الملك, هل ستكون غبياً لدرجة أن تسمح له بمعرفة ذلك؟"

التفت ميريك ومشى قليلاً, عدة خطوات إلى الجانب الأخر من الزنزانة, ألقى ظهره إلى الجدار وجلس في مواجهة تور.

كان تور فضولياً في هذه اللحظات.

"لماذا أنت هنا؟"

"أنا لص, أجاب ميريك, ببعض الفخر.

تفاجاً تور قليلاً, لم يجلس أبداً مع لص من قبل, لصٍ حقيقي. لم يفكر أبداً داخل نفسه بالسرقة أبداً, وكان دائماً مندهشاً عندما يدرك أن بعض الناس يفعلون ذلك.

"ولماذا تفعل ذلك؟" سأل تور.

استهجن ميريك سؤاله.

"عائلتي لا تملك أيّ طعام, يجب أن يأكلوا. أنا لم أتعلم أي شيء, أو أي مهارات من أي نوع. كل ما أعرفه هو السرقة. لا شيء قيّم, غالباً ما يكون الطعام فقط. كل ما احصل عليه. أنا أفعل ذلك منذ سنوات, ثمّ قُبض عليّ, وهذه هي المرة الثالثة التي يُلقى عليّ القبض. المرة الثالثة هي الأسوأ."

"لماذا؟" سأل تور.

كان ميريك هادئاً, ثم هز رأسه ببطء. استطاع تور أن يرى الدموع في عينيه بوضوح.

"قانون الملك صارم, لا يوجد استثناءات. الجريمة الثالثة, يقومون بأخذ يدك."

أصيب تور بالذعر, حملق إلى الأسفل إلى يدي ميريك, وكان كلاهما هناك.

"لم يأتوا من أجلي بعد, لكنهم سيفعلون." قال ميريك.

شعر تور بشعور رهيب. نظر ميريك بعيداً, كما لو أنه كان خجولاً من ذلك, وفعل تور ذلك أيضاً. لا يريد التفكير في الأمر.

وضع تور رأسه بين يديه, رأسه الذي كان يقتله, محاولاً تجميع أفكاره. خلال الأيام القليلة الماضية شعر تور بأنه كان داخل زوبعة كبيرة. لقد حدث ذلك بسرعة كبيرة. فمن ناحية كان يشعر بالنجاح, فقد استطاع رؤية المستقبل وقد توقع تسميم الملك ماكجيل, كما أنه قام بإنقاذه من ذلك. ربما سيكون القدر عازماً على شيء بعد كل ذلك, ربما سيتغير كل ذلك وسينحني له القدر. شعر تور بالفخر: لقد أنقذ الملك.

ومن ناحية أخرى, إنه هنا في هذه الزنزانة, غير قادر على تبرئة نفسه. لقد تحطمت كل آماله وأحلامه, لقد ذهبت كل فرصه في الانضمام إلى الفيلق. سيكون محظوظاً الآن إذا لم يقضي بقية حياته في هذا المكان هنا. لقد آلامه التفكير بأن ماكجيل, الذي اتخذه تور كأبيه, الأب الوحيد والحقيقي, يعتقد بأن تور حاول فعلاً قتله. آلمه التفكير بأن ريس, أفضل صديقٍ لديه قد يعتقد بأنه كان يريد قتل والده. والأسوأ من ذلك كله, جويندولين. فكر تور بآخر لقاءٍ لهما, كيف اعتقدت بأنه كان يتردد على بيوت الدعارة وشعوره كما لو أن كل شيء جيد في حياته قد سُحب من تحته. وتساءل لماذا يحدث كل ذلك له. ورغم كل ذلك لقد أراد فقط أن يفعل الصواب.

لم يعرف تور ما الذي سيحصل له, إنه لا يهتم لذلك. كل ما يريده الآن هو تبرئة نفسه, كي يعرف الناس أنه لم يحاول إيذاء الملك. أن لديه قوىً حقيقة وأنه رأى المستقبل. لم يعرف ما الذي سيحصل له ولكنه عرف شيئاً واحداً: أن عليه أن يخرج من هنا, بطريقة أو بأخرى.

قبل أن ينتهي تور من تفكيره هذا, سمع وقع خطىً وأحذية ثقيلة تشق طريقها إلى الأسفل على الممرات الحجرية. ثمّ جاء من هناك صوت قرقعة المفاتيح, وبعد لحظات ظهر أمام عينيه حارس السجن قوي البنية, الرجل الذي قام بجرّه ولكمه على وجهه. وبالمشهد الذي كان أمامه, شعر تور بالألم يزداد في خده, كأنه يشعر بذلك لأول مرة, وشعر بالاستياء من ذلك.

"حسناً, من هو التافه الصغير الذي حاول قتل الملك, "قال السجّان بوجهه العابس وهو يدير المفتاح داخل القفل الحديدي. وبعد دوي عدة طقات. تراجع إلى الخلف وسحب باب الزنزانة إلى الوراء. كان يحمل الأغلال بإحدى يديه مع فأس صغيرة معلقة على خصره.

"سأحصل عليك," قال لتور بسخرية, ثم التفت إلى ميريك. "ولكن الآن حان دورك, أيها اللص الصغير. المرة الثالثة لا يوجد فيها استثناءات." قال ذلك بابتسامة خفيفة.

اقترب من ميريك, وأمسك به بشكل وثيق, ثم سحب إحدى يديه من خلف ظهره, قام بتكبيلها بإحدى الأصفاد ثمّ ربط طرفها الآخر إلى خطّافٍ على الحائط. صرخ ميريك عالياً, وهو يشدّ تلك الأصفاد بعنف, محاولاً كسرها. ولكن كل ذلك لم يكن مجدياً. وقف السجّان خلفه وأمسك به, ثم ثبتّه بشكل وثيق, وأمسك بيده الأخرى ووضعها على حافة الحجر.

" هذا سيعلمك ألّا تسرق," قالها بغضب شديد.

أزال الفأس من حزامه ورفعه عالياً فوق رأسه, وفمه مفتوح بشكل كامل, وأسنانه القبيحة تخرج من فمه كأنه يزمجر.

"لا!" صاح ميريك.

كان تور يجلس هناك مملوء بالرعب والذهول, بينما كان السجّان يُنزل سلاحه إلى الأسفل باتجاه معصم ميريك. قام تور بالتفكير بالأمر خلال ثوانٍ, سيتم بتر يد هذا الصبي الفقير, وإلى الأبد, ولا يوجد سببٌ لذلك سوى أنه قام ببعض السرقات التافهة لبعض الطعام, كي يقوم بإطعام عائلته. كان ظلم ذلك الصبي يحرقه في داخله, وأحسّ أنه لا يمكنه أن يسمح بحدوث ذلك. لقد كان ليس عادلاً.

شعر تور بحرارة جسمه ترتفع, ثمّ شعر بشيءٍ يشتعل داخل جسمه, ويتصاعد من قدميه ويتنشر داخل جسمه وصولاً إلى كتفيه. شعر بالوقت يتباطأ, ورأى نفسه يستطيع التحرك أسرع من الرجل, أستطاع أن يحس بكل جزءٍ من الثانية, بينما كانت فأس ذلك الرجل معلقةً في الهواء وتهوي إلى يد الصبي. شعر تور بكرة طاقة ملتهبة داخل راحة يده, ثمّ قام بقذفها باتجاه السجّان.

شاهد تور ذلك بذهول, بينما كان الشعاع الأصفر ينطلق من راحته مخترقاً الهواء وتاركاً ذيلاً خلفه, ومضيئاً تلك الزنزانة المظلمة. ذهب ذلك الشعاع باتجاه السجّان مباشرةً وأصابه في رأسه, وبينما حصل ذلك, سقط الفأس من يده وطار داخل الزنزانة, ثمّ اصطدم بالجدار وسقط على الأرض. استطاع تور أن ينقذ ميريك قبل أن يصل نصل الفأس إلى معصمه بأجزاءٍ من الثانية.

نظر ميريك إلى تور بعينين جاحظتين.

هزّ السجّان رأسه وبدأ بالتقدم باتجاه تور كي يلقي القبض عليه. ولكن تور شعر بقوة هائلة تشتعل داخله, وحين اقترب منه السجّان وأصبح في مواجهته, ركض تور إلى الأمام وقفز في الهواء ثمّ ركله على صدره. شعر تور بقوةٍ لم يعهدها من قبل تسري خلال جسده, وسمع صوت تكسر أضلاع الرجل الضخم بينما قذفته تلك الركلة في الهواء محطماً الجدار الذي كان خلفه, ثمّ سقط ككومة على الأرض فاقداً الوعي بشكل كامل هذه المرة.

وقف ميريك هناك مذهولاً, لا يعرف ما الذي قام تور بفعله للتو. أمسك تور بالفأس ثمّ أسرع باتجاه ميريك وقام بتثبيت الأصفاد على الحجر وتحطيمها. انطلقت شرارةٌ كبيرة في الهواء عندما قام تور بقطع سلسلة الأصفاد. تسمّر ميريك في مكانه لعدة ثوانٍ, ثمّ رفع رأسه ونظر إلى السلسلة وهي تتدلى أسفل قدميه, وأدرك أنه أصبح حرّاً الآن.

حدّق ميريك بتور, وهو فاغر الفم.

"لا أعرف كيف أشكرك," قال ميريك. "لا أعرف كيف فعلت ذلك, ولكن أيّاً كان, وأيّاً من كنت أو ما كانت فلقد أنقذت حياتي. أنا مدينٌ لك بواحدة. وهذا شيء لا أستهين به."

"أنت لا تدين لي بشيء," قال تور.

"أنت مخطئ," قال ميريك. ثمّ مدّ يده وشبكها بيد تور. "أنت أخي الآن, وسوف أردّ ذلك لك, بطريقةٍ ما وفي يومٍ ما."

بعد ذلك, التفت ميريك وأسرع باتجاه باب الزنزانة المفتوح, ثم ركض باتجاه نهاية الممر, مع صيحات السجناء الآخرين.

نظر تور حوله فرأى ذلك الحارس فاقد الوعي وباب الزنزانة المفتوح, وأدرك أن عليه التصرف أيضاً. كانت صيحات السجناء تعلو أكثر فأكثر.

اتجه تور إلى الخارج ونظر إلى كلا الاتجاهين, وقرر تجربة حظّه في الاتجاه المعاكس لميريك. فرغم كل شيء, لن يتمكنوا من إلقاء القبض عليهما معاً وفي وقت واحد.




الفصل الثالث


ركض تور تحت ظلمة الليل, في الشوارع المليئة بالفوضى داخل البلاط الملكي, مندهشاً من هذه الضجة حوله. كانت الشوارع مزدحمة و الناس تسرع في الشوارع بحشود هائجة. العديد من المشاعل المحمولة تضيء ظلام الليل, وتلقي الظلال على الوجوه المذهولة, بينما كانت الأجراس تُقرع باستمرار. كانت دقاتها تتكرر ببطء, وتأتي مرةً كل دقيقة, وعرف تور ماذا يعني ذلك: إنه الموت. أجراس الموت. وهناك شخصٌ واحد في المملكة ستقرع الأجراس عند موته: إنه الملك.

خفق قلب تور بشدة وهو يتساءل داخل نفسه, بينما كان ذلك الخنجر من الحلم يلمع أمام عينيه. هل كان ذلك صحيحاً؟

كان عليه أن يتأكد من ذلك بشكل يقيني. اقترب من أحد المارة وأمسك بيده, كان صبياً يركض في الاتجاه المعاكس.

"إلى أين أنت ذاهب؟" سأله تور. "لماذا كل هذه الضجة؟"

"ألم تسمع؟" حملق الصبي في وجهه وهو في حالة هيجان. "إن ملكنا يحتضر! لقد طُعن! الحشود تجتمع عند بوابة الملك, محاولةً الحصول على آخر الأخبار. إذا كان ذلك صحيحاً, فهو أمر فظيع بالنسبة لنا جميعاً. هل يمكنك أن تتخيل ذلك؟ أرضٌ بلا ملك؟"

بعد ذلك, أبعد يد تور عنه والتفت, ثمّ ركض مرة أخرى داخل ظلام الليل.

وقف تور هناك, قلبه يقصف داخل أضلاعه, لا يريد أن يصدق حقيقة ما يجري حوله. أحلامه وهواجسه, لقد كانت أكثر من مجرد أوهام . لقد رأى المستقبل, مرتين ولقد أخافه ذلك. لقد كانت قواه أقوى مما كان يعرفه, يبدو أن قواه تزداد يوماً بعد يوم. إلى ماذا سيؤدي كل ذلك؟

وقف تور هناك محاولاً معرفة المكان الذي سيذهب إليه الآن. لقد هرب, ولكن لم يعد لديه أي فكرةٍ الآن إلى أين سيتجه. بالتأكيد خلال دقائق سيكون الحراس وربما جميع من في البلاط الملكي, يبحثون عنه. مجرد حقيقة هربه ستجعله مذنباً أكثر. ولكن من ناحية أخرى, حقيقة أن ماكجيل قد طُعن أثناء وجود تور داخل السجن, ألن تكون كافيةٍ للدفاع عنه؟ أم سيجعله ذلك يبدو كجزءٍ من المؤامرة؟

لا يوجد لتور أيّ فرصةٍ الآن. ومن الواضح أن جميع من في المملكة لا يملك مزاجاً لسماع الأفكار بشكل عقلاني, لقد بدا جميع من حوله خارجاً من أجل الدم. وربما سيكون هو كبش الفداء. إنه يحتاج إلى العثور على مأوى, إلى مكان يستطيع الذهاب إليه كي يتجاوز هذه العاصفة ويقوم بتبرئة اسمه. إن المكان الأكثر أماناً سيكون بعيداً عن هنا. يجب عليه الفرار, واللجوء إلى قريته أو حتى أبعد من ذلك, إلى أبعد مسافةٍ من هنا يمكنه الوصول إليها.

ولكن تور لم يرد أن يأخذ الطريق الأكثر أماناً. لم يكن تور من هذا النوع, كان يريد البقاء هنا وتبرئة اسمه, أراد المحافظة على مكانه في الفيلق. إنه ليس جبانا ولن يهرب من ذلك. إنه يريد رؤية الملك ماكجيل قبل وفاته, إذا كان لا يزال على قيد الحياة. كان يحتاج إلى رؤيته, و يشعر بالذنب لأنه لم يكن قادراً على إيقاف عملية اغتيال الملك تلك. لماذا كن محكوماً عليه رؤية موت الملك, إذا لم يكن قادراً على فعل أيّ شيءٍ حيال ذلك؟ ولماذا رأى الملك يتمّ تسميمه عندما كان سيتم طعنه في الحقيقة؟

بينما وقف تور هناك, يناقش تلك الأمور في عقله, خطر في باله ريس. كان ريس الشخص الوحيد الذي يمكنه الوثوق به كي لا يكتشف الحراس مكانه, أو حتى من الممكن أن يوفر له ملاذاً آمناً. أحسّ بأن ريس سيصدقه. كان يعرف بأن حب تور لوالده كان حقيقياً, وإذا هناك فرصة لأي شخص كي يقوم بتبرئة اسم تور, فسيكون ريس. كان عليه أن يجده.

أخذ تور طريقه راكضاً من خلال الأزقة الخلفية, يلف ويدور من خلال الحشود, بينما كان يبتعد عن بوابة الملك باتجاه القلعة. كان يعرف أن غرفة ريس في الجناح الشرقي, على مقربةٍ من جدار المدينة الخارجي, وكان يأمل فقط بأن يكون ريس داخل غرفته. إذا كان هناك, من الممكن أن يستطيع يلفت انتباهه لوجوده, ومن الممكن أن يساعده على إيجاد طريقٍ إلى داخل القلعة. كان يشعر تور بالخوف من بقائه هنا في الشوارع, فمن الممكن أن يتم قريباً التعرف عليه. وإذا تعرفت عليه هذه الحشود فسيقومون بتمزيقه إرباً.

وبينما وصل تور إلى نهاية هذه الشوارع, وجد نفسه قد وصل أخيراً إلى الجدران الحجرية الخارجية. لقد أصبح قريباً جداً, كان يركض بالقرب من الجدران, على مقربةٍ كبيرة من عيون الجنود الساهرة الذين وقفوا كل بضعة أقدام.

وحالما اقترب تور من نافذة ريس, انحنى إلى الأسفل والتقط حجرة صغيرة. ولحسن الحظ فقط نسي الجنود تجريده من سلاح واحد, مقلاعه القديم. استخرج المقلاع من وسطه ووضع الحجر داخلها, ثمّ قام بإلقائه.

وبرمية لا يمكن أن تخطئ, طار الحجر من فوق جدار القلعة ثمّ وصل بشكل دقيق إلى النافذة المفتوحة من غرفة ريس. سمع تور صوت ارتطام الحجر بالجدار الداخلي لغرفة ريس, ثم انتظر قليلاً, و اختبئ خلف الجدار المنخفض كي لا يتم كشفه من قبل حراس الملك المنتشرين على طول الجدار, والذين التفتوا باتجاه الصوت.

ولكن لم يحدث شيء خلال اللحظات التالية, امتلأ قلب تور بالخوف, تساءل عمّا إذا لم يكن ريس في غرفته بعد كل ذلك. إذا لم يكن في غرفته فسيكون على تور أن يفرّ من هذا المكان, لم يكن هناك أيّ وسيلةٍ أخرى بالنسبة له كي يحصل على ملاذٍ آمن. حبس تور أنفاسه لعدة دقائق بينما كان قلبه يخفق بشدة, انتظر قليلاً وهو يراقب نافذة ريس إذا كان ستفتح.

بعدما كان على وشك الانصراف بعد أن أحسّ بأن دهراً قد مر. رأى تور شخصاً ما يخرج رأسه من النافذة, يضع كفيّه على راحة النافذة ويميل رأسه للخارج وهو ينظر بحيرةٍ تعلو وجهه.

وقف تور واندفع عدة خطواتٍ إلى الخلف بعيداً عن الجدار, ثمّ لوّح بإحدى ذراعيه عالياً.

نظر ريس إلى الأسفل ولاحظ تور, لقد بدت ملامح السرور على وجهه عندما تعرّف على تور, كان ذلك واضحاً حتى في ضوء المشعل من هنا, وشعر تور بالارتياح لرؤية تلك التعابير على وجهه. أخبر ذلك تور بكلّ ما يريد معرفته: لن يقوم ريس بردّه الآن.

أشار له ريس بأن ينتظر, أسرع تور باتجاه الجدار وجلس على ركبتيه خافضاً نفسه بشكل كامل بينما كان الحراس ينظرون حولهم.

انتظر تور لمدةٍ لا يعرف كم طالت, وكان مستعداً للفرار في أيّة لحظة من الحراس, حتى ظهر ريس أخيراً, وهو يتسلل من خلال بابٍ في الجدار الخارجي, كان يتنفس بصعوبة وينظر في كلا الاتجاهين, حتى استطاع أن يجد تور.

أسرع ريس باتجاهه وقام بعناقه. شعر تور بسعادةٍ غامرة. سمع تور صوتاً من الأسفل ونظر فرأى كروهن جالساً داخل قميص ريس. قفز كروهن إلى الأسفل عندما انحنى ريس, و ركض نحو تور.

إنه كروهن شبل النمر الأبيض الذي قام تور بإنقاذه في أحد الأيام, قفز إلى أحضان تور وعانقه, وهو يأنّ ويلعق وجه تور.

ابتسم ريس.

"عندما أخذوك حاول أن يتبعك, وقمت بأخذه كي أتأكد أنه سيكون بأمان."

قام تور بشبك يده في يد ريس مقدراً فعلته هذه, ثم ضحك بينما بقي كروهن يلعق وجهه.

"لقد افتقدتك أيها الفتى," ضحك تور, وقام بتقبيل ريس. " ابقى هادئاً الآن كي لا يسمعنا الحراس."

سكت كروهن كما لو أنه يفهم حديثهما.

"كيف هربت؟" سأل ريس باستغراب.

لم يكن يعرف تور ما الذي يقوله بالتحديد. لا يزال يشعر بعدم الارتياح عند التحدث عن قدراته, التي لا يفهمها. لا يريد أن يعتقد الآخرون بأنّه شيء غير طبيعي.

"أعتقد أنني كنت محظوظاً," لقد سنحت لي فرصة وقمت باستغلالها." أجاب تور.

"أنا مندهشٌ كيف لم يقم هؤلاء الحشود بتمزيقك إلى أجزاء," قال ريس.

" إن الدنيا مظلمة, لا أعتقد أن أحداً سيستطيع التعرف عليّ, حتى الآن على ما أعتقد." أجاب تور.

"هل تعرف أنّ كل جنديٍّ في المملكة يبحث عنك؟ وهل تعرف أنّ والدي قد طُعن؟"

طأطأ تور رأسه, وقال بجديّة. "هل هو بخير الآن.

بدت تعابير الحزن على وجه ريس. وأجاب بتجهم, "لا, إنه يحتضر."

شعر تور بالانهيار, كما لو أنه كان والده.

"أنت تعرف أنني لم أرتكب ذنباً , أليس كذلك؟" سأل تور. لم يكن يهتم لما يفكر به أيّ شخص آخر, ولكنه أراد أن يثبت لأفضل صديق لديه وللملك ماكجيل بأنّه بريء.

"بالتأكيد, وإلا لما وجدتني واقفاً هنا الآن." قال ريس.

شعر تور بموجةٍ من الارتياح, بينما وضع ريس يده على كتفه بامتنان.

"ولكن بقية المملكة لن تكون آمنةً بالنسبة لك," أضاف ريس. "المكان الأكثر أماناً بالنسبة لك سيكون بعيداً عن هنا. سوف أعطيك أسرع حصانٍ عندي, مع بعض المؤن, وسأرسلك بعيداً. يجب أن تختفي حتى يمرّ كل شيء, حتى يجدوا القاتل الحقيقي. لا أحد يفكر بشكل واضح الآن."

أومأ تور برأسه بالنفي.

"لا أستطيع المغادرة," قال تور. "سوف يجعلني ذلك أبدو مذنباً. أحتاج إلى إخبار الآخرين بأنني لم أفعل ذلك. لا أستطيع أن أهرب من مشكلتي. يجب أن أقوم بتبرئة اسمي."

هزّ ريس رأسه.

"إذا بقيت هنا, فسوف يجدونك. وسيأخذونك إلى السجن مرة أخرى, وسيقومون بإعدامك بعدها, إذا لم تقتل على يد هذه الحشود."

"هذه فرصتي ويجب أن استغلها," قال تور.

حدّق ريس في وجهه طويلاً, ثمّ تغيرت نظرته من قلقٍ إلى إعجاب. وأخيراً أومأ برأسه ببطء.

"أنت تبعث على الفخر وغبي, غبي جداً, هذا هو السبب بأنني أحبك."

ابتسم ريس, وأيضاً ابتسم تور بالمقابل.

"يجب أن أرى والدك," قال تور. "أحتاج إلى فرصةٍ كي أشرح له وجهاً لوجه, بأنني لم أكن أنا, وأنني لست على علاقة بكل ذلك. وإذا قرر إصدار الحكم علي, فليكن ذلك, ولكنني بحاجة إلى فرصة واحدة. أريده أن يعرف, هذا كل ما أطلبه منك."

حدّق به ريس بجديّة, يتذكر صداقتهما. وبعد بعض الوقت الذي مضى كدهر. أومأ برأسه.

"يمكنني أن أؤمن لك ذلك, أعرف طريق العودة, إنه يؤدي إلى حجرته. إنه خطر وبمجرد أن تصل إلى هناك ستكون وحيداً, لا يوجد طريقٌ للخروج. ولن يكون هناك أيّ شيء يمكنني تقديمه لك. ومن الممكن أن يعني ذلك موتك. هل أنت متأكد أنك تريد الحصول على هذه الفرصة؟"

أومأ تور برأس بجديةٍ كبيرة.

"إذاً هذا جيد جداً," قال ريس, ثمّ اقترب ورمى عباءة إلى تور.

أمسك بها تور ونظر إلى الأسفل باستغراب. ثمّ أدرك أن ريس كان يخطط لذلك منذ البداية.

ابتسم ريس بينما كان تور ينظر إليه.

"كنت أعلم أنك ستكون غبياً بما فيه الكفاية كي تصرّ على البقاء. لن أتوقع أيّ شيءٍ آخر من صديقي المفضل."




الفصل الرابع


كان غاريث في غرفته, يستعرض في ذاكرته ما حصل في تلك الليلة بقلقٍ شديد. لم يتمكن من تصديق ما حصل في الوليمة, كيف ذهب كل شيءٍ قام بالتخطيط له. بالكاد يمكنه استيعاب ما قام به ذلك الصبي الغبي, إنه الغريب تور, الذي استطاع بطريقةٍ ما أن يكشف المؤامرة, بل وأكثر من ذلك, تمكّن في الواقع من منع الملك من تناول ذلك القدح. تأمّل غاريث تلك اللحظة مرة أخرى, عندما رأى تور يقفز ويدفع الكأس, عندما سمع صوت ارتطام الكأس بالأرض, وشاهد النبيذ وهو ينسكب على الأرض, ورأى أحلامه وطموحاته كلها تنسكب معه.

في تلك اللحظة, كان غاريث منهاراً, لقد تدمّر كل شيء عاش من أجله. وعندما قام ذلك الكلب بلعق النبيذ وانهار على الأرض ميتاً, علم عندها أنها كانت النهاية. رأى حياته كلها تمر أمامه, لقد رأى نفسه عندما تنكشف مؤامرته, وعندما يُحكم عليه بالسجن المؤبد داخل زنزانة صغيرة لأنه حاول قتل والده. أو أن يتم الأسوأ وهو إعدامه. كان عليه ألّا ينفذ تلك الخطة أبداً, وألّا يزور تلك الساحرة أصلاً.

ولكن على الأقل استطاع التصرف بسرعة, فقد استغل الفرصة وقفز على قدميه مشيراً إلى تور وملقياً اللوم عليه. إذا نظرنا للأمر من ناحية أخرى, فقد كان فخوراً بنفسه كيف أنه استطاع التصرف بسرعة. كانت تلك لحظة ارتجالية, ولحسن حظه فقد سارت الأمور بخير. فقد قاموا بسحب تور إلى الخارج, وبعد كلّ ذلك استقرت الأمور مرة أخرى واستمرت الوليمة. وبالطبع لم يكن الأمر بعدها كما يريده, ولكن على أقل تقدير, فقد وقعت الشكوك على ذلك الصبي.

كان غاريث يصلي أن يبقى الأمر على ما هو عليه. لقد مرت عقود عديدة على آخر محاولة لاغتيال الملك, وخشيَ غاريث أن يتم التحقيق في الأمر, وأن يبحثوا بشكل مكّثف عمّن قام بهذا الفعل. إذا نظرنا إلى الوراء فقد كانت محاولة تسميمه محاولةً غبية. كان والده لا يقهر, وكان عليه معرفة ذلك. والآن لا يمكنه الشعور سوى أنها مسألة وقت حتى يتم اكتشاف أمره. سيكون عليه أن يفعل ما بوسعه كي يثبت تلك التهمة على تور كي يتم إعدامه قبل فوات الأوان.

على الأقل استطاع بطريقةٍ ما أن ينقذ نفسه: بعد أن فشلت تلك المحاولة, قرر إلغاء عملية الاغتيال. والآن شعر بالارتياح. فبعد أن فشلت تلك المؤامرة, أدرك ان جزءاً منه, داخل أعماقه, لا يريد منه أن يقوم بقتل والده, لا يريد منه أن يلطّخ يديه بدمه. فهو لن يكون ملكاً, من الممكن ألّا يصبح ملكاً أبداً. ولكن بعد أحداث هذه الليلة, التي انتهت بشكل جيد بالنسبة له. على الأقل سيكون حرّاً الآن. لا يمكنه تحمّل هذا التوتر كله إذا قام بإعادة المحاولة مرة أخرى: السريّة ومحاولة إخفاء الأمور والقلق الدائم من أن يتم كشفه, لقد كان ذلك كثيراً جداً بالنسبة له.

وبينما كان يذهب ويجيء داخل غرفته ببطء, أصبح الوقت متأخراً جداً وبدأ يهدأ قليلاً. وبينما كان يشعر بالرضا عن نفسه ويستعد للنوم, سمع صوت باب يُفتح بعنف, والتفت فرأى باب غرفته مفتوحاً. لقد كان فيرث, عيناه واسعتين ويلهث بشدة, يندفع داخل الغرفة كما لو أنّ أحداً كان يطارده.

"إنه ميت!" صرخ فيرث. "إنه ميت, أنا قتلته. إنه ميت!"

كان فيرث في حالة هيستيرية وينحب بشدة, ولم يكن لدى غاريث أي فكرة عمّا كان يتحدث عنه. هل كان في حالة سكر؟

كان فيرث يركض في جميع أنحاء الغرفة, يصيح ويبكي ويشبك يديه ببعضها, وفجأة لاحظ غاريث كفيه, لقد كانت يداه مغطاة بالدماء, وكان رداءه الأصفر ملطّخاً باللون الأحمر.

استطاع غاريث استيعاب الأمر, لقد قام فيرث بقتل شخصٍ ما, ولكن من؟

"من هو الميت؟" سأل غاريث. "من الذي تتكلم عنه؟"

ولكن فيرث كان في حالة هستيرية, ولا يمكنه أن يركّز. ركض غاريث باتجاهه, أمسكه من كتفيه وهزه بقوة.

"أجبني!"

فتح فيرث عينيه, وحدّق بغاريث.

"أبوك, الملك! إنه ميت, لقد قتلته بيدي!"

شعر غاريث كما لو أن سكيناً دخلت في قلبه وهو يسمع تلك الكلمات.

كان يحدق به, جاحظ العينين ومتجمداً في مكانه, ويشعر بأن جسده بدأ يتخدر بشكل كامل. أفلت فيرث ورجع عدة خطواتٍ إلى الوراء, وحاول أن يتلقط أنفاسه. كان يمكنه معرفة أن فيرث يقول الحقيقة من كلّ تلك الدماء التي كانت عليه. لا يستطيع فهم ذلك. فيرث؟ الصبي الهادئ؟ وصاحب الإرادة الأضعف بين أصدقائه جميعاً؟ قام بقتل والده؟

"ولكن.. كيف ذلك؟" قال غاريث وهو يلهث. "متى قمت بذلك؟"

"لقد حدث ذلك في غرفته," قال فيرث. منذ لحظات قليلة. لقد قمت بطعنه."

بدأ غاريث يستوعب ذلك كله, وبدأ يستعيد عقله ودهائه. لاحظ أن الباب مازال مفتوحاً, ركض نحوه بسرعة وقام بإغلاقه, تحقق قبل ذلك من عدم وجود أحد يراقبه من الحراس. ولحسن الحظ كان الممر فارغاً. ثمّ سحب الترباس الحديديّ الثقيل وقام بقفل الباب.

سارع عبر الغرفة باتجاه فيرث, الذي كان لا يزال في حالة هيستيرية, وحاول غاريث أن يقوم بتهدئته. إنه يحتاج إلى بعض الأجوبة.

أمسكه من كتفيه, وشدّه بقوة كبيرة كانت كافية لجعله يتوقف في مكانه. وأخيراً نظر إليه فيرث بتركيز.

"أخبرني كل شيء," قال غاريث بهدوء. "قل لي بالضبط ما الذي حدث؟ ولماذا فعلت ذلك؟"

"ماذا تقصد بـ لماذا؟ " سأل فيرث بارتباك. "لقد أردتَ قتله, ولم تنجح خطة تسميمه. اعتقدت أنني يمكنني مساعدتك, اعتقدت أن ذلك ما كنت تريده."

هزّ غاريث رأسه, ثمّ أمسك بفيرث وهزّه مراراً وتكراراً.

"لماذا فعلت ذلك؟" صرخ غاريث.

شعر غاريث وكأن العالم كله قد انهار فوق رأسه. لقد صُدم لشعوره بالأسى كثيراً لأجل والده, لم يستطع فهم ذلك. منذ عدة ساعات فقط, كان يريد رؤيته مسموماً أكثر من أي شيءٍ آخر في العالم, وملقاً على تلك الطاولة. أما الآن فقط اصبحت فكرة موته, كموت أفضل صديقٍ بالنسبة له. كان غارقاً في ندمه. كان هناك جزءٌ منه لا يريد أن موت والده بالرغم من كل ذلك, ليس بهذه الطريقة. ليس على يد فيرث وليس مطعوناً.

"أنا لا أفهم," قال فيرث وهو ينتحب. "قبل عدة ساعات حاولت قتله بنفسك. عن طريق الخطة التي قمت بإعدادها, ظننت أنك ستكون ممتناً لي لأنني قمت بذلك!"

ولزيادة دهشته فقد تقدم غاريث إلى الأمام, وقام بصفع فيرث بقوة على وجهه.

"لم أقل لك أن تفعل ذلك!" صاح غاريث. "لم أقل لك أن تفعل ذلك, لماذا قمت بقتله؟ انظر إلى نفسك, أنت مغطىً بالدماء. لقد انتهينا أنا وأنت, ليست سوى مسألة وقت حتى يقوم الحراس بإلقاء القبض علينا."

" لم يرني أحد," قال فيرث. "لقد تسللت عبر الممرات دون أن يراني أحد."

"وأين السلاح الذي قتلته به؟"

"لم أتركه هناك," قال فيرث بفخر. "أنا لسا غبياً, لقد تخلصت منه."

"وما النصل الذي استخدمته," سأل غاريث وهو يفكر بعقله بآثار الطعن. انتقل تفكيره من تأنيب الضمير إلى القلق بشأن كشفهما. وأصبح يفكّر بكل التفاصيل التي من الممكن أن يتركها هذا الأحمق خلفه, كل التفاصيل التي من الممكن أن تؤدي إليهما.

"لقد استخدمت واحدةً لا يمكن تتبعها," قال فيرث بفخر. "لقد كانت سكيناً مجهولة, وجدتها في الإسطبلات. كان هناك أربعة فقط مثلها. لا يكمن تتبعها."

شعر غاريث بهبوط قلبه.

"هل كانت سكيناً قصيرة, ذات مقبض أحمر وشفرة منحنية؟ معلقة على الجدار بجانب حصاني؟"

أومأ فيرث برأسه, وهو ينظر إليه باستغراب.

"أنت غبي, بالطبع يمكنهم معرفة من صاحب هذه الشفرة!"

"ولكن لم يكن عليها علامات مميزة!" قال فيرث محتجاً على كلامه, بصوته الخائف والمرتجف.

"لا يوجد علامات على الشفرة, ولكن هناك علامة على المقبض!" صاح غاريث. "أسفل المقبض, أنت لم تتحقق منها بشكل جيد. أنت غبي." تقدم غاريث إلى الأمام بوجهه المحمر. "لقد حُفر شعار حصاني أسفل المقبض, أيّ شخصٍ يعرف العائلة الملكية بشكلٍ جيد, يمكنه معرفة أن هذه السكين تعود لي."

كان يحدّق بفيرث الذي بدت عليه الحيرة بشكل كبير. لقد كان يريد قتله.

"وما الذي فعلتها بها؟" قال غاريث بغضب. "قلي أنها لا تزال معك, أرجوك أخبرني بأنك أحضرتها معك."

شعر فيرث بالخوف الشديد.

"لقد تخلصت منها بشكل جيد, لن يستطيع أحد أن يجدها أبداً."

عبس وجه غاريث.

"أين بالضبط؟"

"لقد ألقيتها في المنزلق الحجري, إلى داخل غرفة القمامة. يتم تفريغ تلك الحاوية كل ساعة, يتم إلقاؤها داخل النهر. لا تقلق يا سيدي, إنها في عمق النهر الآن."

وفجأة قُرعت أجراس القلعة, التفت غاريث وركض إلى النافذة المفتوحة. وقلبه ممتلئ بالذعر. نظر إلى الخارج ورأى الحشود الكبيرة تحيط بالقلعة ويبدو الاضطراب عليهم. لا يمكن لتلك الأجراس أن تعني سوى شيئاً واحداً: أن فيرث لم يكن يكذب, وأن الملك قد قُتل.

شعر غاريث بجسده يصبح كالجليد. لم يتمكن من تخيل أنه قام بهذا القدر من الشر الكبير. وأن فيرث, من بين جميع الناس, قد قام بتنفيذ ذلك.

وفجأة قام أحدهم بقرع الباب بقوة, وتمّ فتح الباب بسرعة. دخل العديد من الحرس الملكي إلى الغرفة, وخلال لحظات تأكد غاريث من أنهم جاؤوا كي يلقوا القبض عليه.

ولكنهم توقفوا وألقوا التحية عليه.

"سيدي, لقد طُعن والدك. وقد يكون هناك قاتل طليق الآن. نرجو منك التأكد من البقاء في مأمن داخل غرفتك. لقد أصيب الملك بشكل خطير."

فُزع قلب غاريث عندما سمع تلك الكلمات.

"أصيب؟" كرر غاريث تلك الكلمة, التي خرجت كالشوكة في حنجرته. "هل لا يزال على قيد الحياة الآن؟"

"نعم, سيدي. نرجو أن يكون الله معه. سوف ينجو ويخبرنا بمن قام بهذا العمل الشنيع."

ومع انحناءٍ صغير خرج الحرس بسرعةٍ من الغرفة, وقاموا بإغلاق الباب خلفهم.

قام غاريث بإمساك فيرث من كتفيه بغضبِ شديد, ثمّ قام بجرّه عبر الغرفة ومدّده على الجدار الحجري.

حدّق فيرث به, بعينيه الواسعتين وهو ينظر برعب ولا يستطيع التكلم.

"ما الذي فعلته؟" صرخ غاريث. "لقد انتهينا الآن, كلانا!"

"ولكن... ولكن... " تلعثم فيرث ولم يستطع التكلم. "كنت واثقاً من أنه قد مات!"

"لقد كنت واثقاً من أشياء كثيرة, وقد تبيّن أن جميعها كان خطأ." قال غاريث.

وفجأة خطرت فكرة على بال غاريث.

"السكين," قال غاريث. "يجب علينا استرجاعها قبل فوات الأوان."

"ولكنني رميتها يا مولاي," قال فيرث. "لقد أصبحت في قاع النهر الآن."

"لقد قمت برميها باتجاه غرفة القمامة, وهذا لا يعني أنها أصبحت في النهر الآن."

"ولكنها على الأرجح كذلك!" قال فيرث.

لم يعد غاريث يستطيع تحمّل هذا الغبي أكثر من ذلك. تركه واتجه نحو الباب, بينما لحق به فيرث.

"سأذهب معك, سأريك أين قمت برميها بالتحديد." قال فيرث.

توقف غاريث والتفت باتجاهه محدقاً به. لقد كان مغطى بالدماء, استغرب غاريث كيف أنّ الحراس لم تنتبه لذلك. لقد كان محظوظاً.

"سوف أقول ذلك مرة واحدة فقط," زمجر غاريث بغضب. "سوف تعود إلى غرفتي حالاً, وتقوم بتغيير ملابسك ثمّ تحرقها. وستتخلص من أي آثار للدماء. ثمّ ستختفي من هذه القلعة, ابقى بعيداً عني هذه الليلة. هل تفهمني؟"

قام غاريث بدفعه إلى الخلف, ثم التفت وركض مسرعاً. انطلق عبر الممر, ونزل على الدرج الحجري الحلزوني, ونزل طابقاً تلو طابق, باتجاه غرف الخدم.

وأخيراً, دخل إلى الطابق السفلي, والتفتت رؤوس العديد من الخدم باتجاهه. كانوا يقومون بتنظيف القدور الهائلة ويغلون سطول الماء الكبيرة. كانت النيران الضخمة مستعرة داخل أفران الطوب الكبيرة, والخدم الذين يرتدون المآزر الملونة, غارقين في عرقهم.

وعلى الجانب الآخر من الغرف, وجد غاريث حاوية القمامة الضخمة. كانت الأوساخ والقاذورات تجري عبر المزلق الكبير وتنسكب فيه كل دقيقة.

ركض غاريث باتجاه أقرب خادم, وأمسكه من ذراعه بشدة.

"منذ متى تمّ تفريغ الحاوية آخر مرة؟" سأله غاريث.

"تمّ نقلها إلى النهر منذ دقائق فقط, مولاي."

التفت غاريث وخرج من الغرفة بسرعة, ركض باتجاه ممرات القلعة, متجهاً إلى درج الطوارئ, ثمّ خرج إلى الهواء البارد.

ركض داخل حقل العشب وهو يلهث, متجهاً إلى النهر بأقصى سرعته.

وعندما اقترب منه, وجد مكاناً للاختباء خلف شجرة كبيرة بالقرب من حافة النهر. كان يشاهد اثنين من الخدم, يرفعون الحاوية الحديدية الكبيرة ويلقونها داخل تيار النهر المندفع.

كان يشاهد ذلك حتى قاما بتفريغ كافة الحاوية إلى داخل النهر, ثم أعادا الوعاء وعادا أدراجهما باتجاه القلعة.

وأخيراً, شعر غاريث بالارتياح. لم يتمكن أحد من رؤية أية سكين. ومهما حصل فقد أصبحت الآن في تيار النهر, تجري بعيداً. وإذا مات والده الليلة, فلن يكون هناك أي دليلٍ لتعقب القاتل.

أم سيكون هناك؟




الفصل الخامس


تبع تور ريس بعد أن دخلا إلى الممر, وكروهن يركض خلفهما, وهم يشقون طريقهم داخل الممرات الخلفية المؤدية إلى حجرة الملك. كان ريس قد أدخلهم عبر بابٍ سري مخبأ في أحد الجدران الحجرية, وقام بحمل مشعل, ثم بدأ يقودهم وهم يمشون خلف بعضهم كطابور واحد داخل المساحة الضيقة للممرات الداخلية للقلعة ضمن الكثير من اللفات والانعطافات التي تصيب بالدوار. صعدا على درج حجريٍّ ضيق يؤدي إلى ممر آخر. ثمّ وجدا أمامهما درجاً آخر, تعجب تور من مدى تعقيد تلك الممرات والمسارات.

"لقد بُنيت هذه الممرات داخل القلعة منذ مئات السنوات," قال ذلك ريس همساً وهم يشقون طريقهم, كانوا يتنفسون بصعوبة أثناء صعودهم تلك الأدراج. "لقد بُنيت من قبل الجد الأكبر لوالدي, الملك ماكجيل الثالث. قم ببنائها كطريقٍ خاصٍ للهروب, بعد أن استمر عليهن حصار لمدة طويلة. ولسخرية القدر, أنّ ذلك الحصار لم يتكرر منذ تلك الفترة, ولم يتم استخدام تلك الممرات لقرون.

لقد كانت مخفية ولكنني اكتشفتها عندما كنت طفلاً. أحب أن استخدمها من وقتٍ لآخر كي أقوم بجولةٍ في القلعة دون أن يعرف أحدٌ مكاني. عندما كنت أصغر سناً, كنا أنا وجوين و غودفري نلعب الغميضة داخل هذه الممرات. كان كندريك كبيراً و غاريث لا يحب أن يلعب معنا. كنا نلعب بدون مشاعل, كانت تلك قواعد اللعب, داخل ظلامٍ دامس. كان ذلك مرعباً في ذلك الوقت."

كان تور يحاول جاهداً أن يتابع ريس ويبقى بالقرب منه, بينما كان ريس يقدم عرضاً مذهلاً لبراعته في عبور تلك الممرات, كان واضحاً أنه يحفظها عن ظهر قلب.

"كيف يمكنك تذكر كلّ تلك الممرات والاتجاهات؟" سأل تور متعجباً.

"يمكنك أن تفعل ذلك عندما تكبر وحيداً في هذه القلعة," أجاب ريس. "خصوصاً عندما يكون الجميع أكبر سناً منك, وتكون أصغر من الانضمام إلى الفيلق, عندها لن تجد شيئاً آخر يمكنك القيام به. لقد جعلت ذلك عملي, أن اكتشف كل زاوية وركن في هذا المكان."

التفا مرةً أخرى, ونزلا على ثلاث درجاتٍ حجرية, ثم دخلا داخل فتحةٍ ضيقةٍ في الجدار. ثمّ نزلا على درجٍ طويل. وأخيراً, أوصلهم ريس إلى بابٍ سيمكٍ من البلوط, معطىً بالغبار. وضع ريس إحدى أذنيه على الباب محاولاً الاستماع. ثمّ تقدم تور إلى جانبه.

"ما هو هذا الباب؟" قال تور.

"اششش," قال ريس.

"سكت تور ووضع أذنه على الباب, مستمعاً. ووقف كروهن خلفهما ينظر إلى الأعلى.

"إنه الباب الخلفي لحجرة والدي," همس ريس. "أريد أن أسمع من يوجد في الداخل معه."

استمع تور وقلبه يخفق بشدة, سمع أصواتاً خافتة خلف ذاك الباب.

"يبدو من الأصوات أن الغرفة ممتلئة," قال ريس.

التفت ريس ونظر إلى تور نظرةً ذات مغزى.

"سوف تكون كالذي يمشي داخل عاصفة. سيكون قادة الجيش هناك ومجلس الشورى والعائلة والجميع. أنا متأكدٌ من أن كل واحدٍ منهم سوف ينظر إليك على أنك القاتل المحتمل. سيكون ذلك كالمشي بين الحشود الغاضبة التي تريد قتلك. إذا كان والدي لا يزال يعتقد بأنك من حاول اغتياله, فستكون انتهيت. هل أنت متأكدٌ من أنك لا تزال تريد القيام بذلك؟"

تنفس تور بصعوبة, إنها الآن أو أبداً. أصبحت حنجرته جافة, بينما أدرك أن هذه ستكون إحدى مفارق الطرق في حياته. ستكون العودة والفرار أمراً سهلاً بالنسبة له الآن. يمكنه أن يعيش حياةً آمنةً في مكان ما, بعيداً عن البلاط الملكي. أو سيدخل من ذلك الباب, وسيقضي حياته داخل زنزانة, مع أولئك المشوهين, أو حتى من الممكن أن يتم إعدامه.

أخذ تور نفساً عميقاً, وأخذ قراره. سيكون عليه ان يواجه شياطينه وجهاً لوجه, لا يمكنه أن يتراجع.

أومأ تور برأسه, كان يخشى أن يفتح فمه ويتكلم, لأنه إذا فعل ذلك من الممكن أن يغير رأيه.

نظر إليه ريس نظرة موافقة, ثمّ دفع مقبض الباب إلى الأسفل بكل قوته.

حدّق تور بعينيه النصف مغمضتين, بينما أصبح الباب مفتوحاً أمامه, وجد نفسه واقفاً في وسط حجرة الملك الخاص, وريس وكروهن يقفان إلى جانبه.

كان هناك على الأقل حوالي خمسة وعشرين شخصاً يقفون حول الملك باكتظاظ. كان الملك ملقاً على سريره, يقف البعض فوق رأسه ويجثو بعضهم على ركبه. كان حول الملك القادة والمستشارون, يقفون إلى جانب كلٍّ من أرجون والملكة وكندريك و غودفري وحتى, جويندولين. كان تلك وقفة موت, وكان تور يتطفل على ذلك الشأن العائلي الخاص.

كان جو الغرفة كئيباً,و الوجوه مكفهرة. كان ماكجيل مستلقياً على سريره ومسنوداً بالوسائد, وشعر تور ببعض الارتياح عندما رآه ما زال على قيد الحياة, على الأٌقل في الوقت الحالي.

تحولت الوجوه في وقتٍ واحد باتجاه تور, مذهولةً بدخول ريس وتور المفاجئ. أدرك تور سبب تلك النظرة المتفاجئة, فقد ظهرا في وسط الغرفة, ومن الباب السري داخل الجدار الحجري.

"هذا هو الفتى!" صاح شخصٌ من الحشد مشيراً إلى تور بكراهية. "إنّه واحدٌ من الذين حاولوا تسميم الملك."

هجم الحراس من جميع أنحاء الغرفة باتجاه تور, وبالكاد كان يعرف ما الذي عليه القيام به. هناك شيءٌ ما في داخله كان يحثّه على الالتفات والفرار, ولكنه يعلم أن عليه مواجهة تلك الجماهير الغاضبة, كان عليه أن يبرئ اسمه أمام الملك. ولذلك استجمع تور قواه, بينما كان الحراس قد ركضوا باتجاهه وأمسكوا به. وكروهن يقف بجانبه ويحاول مهاجمة الحراس بغضبٍ شديد.

بينما كان تور يقف هناك, شعر بحرارةٍ كبيرة ترتفع داخل جسده, بقوةٍ تسري داخل ضلوعه. وبشكلٍ لا إرادي رفع تور إحدى يديه وأطلق طاقته تلك من راحة كفّه باتجاه أولئك الحراس.

وقف تور متفاجأ من الذي حصل, فقد توقف الحراس في مكانهم كما لو كانوا متجمدين. فقد قامت طاقته تلك, مهما كان نوعها, بتثبيتهم في مكانهم.

"كيف تجرؤ على الدخول إلى هنا واستخدام سحرك, أيها الفتى!" صاح بروم, أكبر قادة الملك, وهو يرفع سيفه عالياً باتجاه تور. "أليست محاولة قتل ملكنا مرة واحدة كافيةً بالنسبة لك؟"

اقترب بروم من تور بسيفه المسلول. وبينما كان يفعل ذلك, شعر تور بشيءٍ غريب يتغلب عليه, كان شعوراً أقوى من أي شيءٍ مضى. أغلق تور عينيه ببساطة وقام بالتركيز على سيف بروم, على شكل السيف وعلى معدنه, وبطريقة ما أحسّ أنه السيف أصبح جزءاً منه. وأراد أن يوقف ذلك الشيء في مخيلته.

وقف بروم متجمداً بعينيه المتسعتين, غير قادرٍ على الحراك.

"أرجون!" صاح بروم. "أوقف هذا السحر حالاً, أوقف ذلك الصبي!"

تقدم أرجون من بين الحشد, وأخفض غطاء العباءة على رأسه ببطء. حدّق بتور بشدّة, بعينيه الملتهبتين.

"لا أرى أي سببٍ لإيقافه, لم يأتي إلى هنا لإيذاء أي أحد." قال أرجون.

"هل أنت مجنون؟ سوف يقتل ملكنا!"

"هذا ما كنت أعتقده," قال أرجون. "ولكن ليس هذا ما أراه."

"اتركوه," جاء صوتٌ أجشّ عميق.

التفت الجميع إلى ماكجيل بينما كان يجلس. كان ينظر إليهم بضعفٍ كبير. من الواضح أنّه كان يناضل كثيراً كي يستطيع التكلم.

"أريد أن أرى الصبي. لم يكن هو من قام بطعني, ولم يكن هو دس السم في كأسي. إنّ تور بريء."

وببطء هدء جميع الحراس الموجودين, وقام تور بالاسترخاء قليلاً سامحاً لهم بالتحرك. تراجع الحراس ببطء, وهم ينظرون إلى تور بقلق, كما لو كان من عالمٍ آخر. وببطء أعادوا سيوفهم مرةً أخرى إلى أغمادها.

"أريد أن أراه," قال ماكجيل. "لوحدي, أتركونا جميعاً."

"مولاي," قال بروم. "هل تعتقد بأن ذلك آمن؟ فقط أنت والصبي لوحدكما؟"

"لن يقوم أحد بالاقتراب من تور," قال ماكجيل. "والآن اتركونا, جميعكم. بما في ذلك عائلتي."

خيّم صمتٌ ثقيل في أنحاء الغرفة, بينما كان الجميع يحدقون ببعضهم البعض, غير واثقين مما يجب عليهم القيام به. بينما وقف تور هناك متسمّراً في مكانه, بالكاد قادراً على فهم كل ما يجري.

وواحداً تلو الآخر, بدأ الجميع بالخروج من الحجرة, بما في ذلك أسرة الملك. وغادر كروهن مع ريس. والحجرة التي كانت مليئةً بالناس منذ لحظات, أصبحت فارغة.

تمّ إغلاق الباب. كان هناك الملك وتور فقط, لوحدهما في صمت. بالكاد تمكّن تور من تصديق ذلك. لقد كان يرى ماكجيل ملقاً هناك بوجهه الشاحب, ويتألم بشدة, لقد آلم ذلك تور أكثر من أيّ شيءٍ آخر. لم يكن تور يستطيع فهم الأمر, ولكن كان ذلك كما لو أنّ جزءاً منه كان يموت هناك أيضاً, على ذلك السرير. كان يريد أن يكون الملك بخير أكثر من أي شيءٍ آخر.

"تعال إلى هنا أيها الفتى," قال ماكجيل بصوته الأجش الضعيف, وكأنه يهمس همساً.

أخفض تور رأسه وأسرع إلى جانب الملك, وركع أمامه. مد الملك يده كي يمسك بيد تور, قام تور بأخذ يد الملك وقبلها.

نظر تور إلى الأعلى ورأى الملك ماكجيل يبتسم بصعوبة. تفاجأ تور عندما شعر بتلك الدموع الساخنة وهي تجري على وجنتيه.

"مولاي," بدأ تور مندفعاً وغير قادرٍ على الاحتفاظ بذلك داخله. "أرجوك صدقني, لم أكن أريد تسميمك. عرفت عن تلك المؤامرة من حلمي, بسبب بعض قواي التي لا أعرف مصدرها. أردت فقط أن أقوم بتحذيركم. أرجوك, صدقني."

شدّ الملك على يد تور, وشعر تور بأن عليه أن يصمت.

"لقد كنت مخطئاً بشأنك," قال ماكجيل. لقد طُعنت على يد شخصٍ آخر وهذا يثبت أنك لم تكن أنت. لقد كنت تحاول إنقاذي فقط. سامحني, فقد كنت من المخلصين. ربما كنت الشخص الوحيد المخلص لي في المملكة."

"كم تمنيت لو كنت مخطئاً," قال تور. "كم أتمنى لو كنت آمناً الآن, وأن تكون أحلامي مجرد أوهام, وأنك لم تتعرض لمكروهٍ أبداً. ربما كنت مخطئاً, ربما ستبقى على قيد الحياة."

أومأ ماكجيل رأسه بالنفي.

"لقد حانت منيّتي," قال ماكجيل لتور.

شعر تور بغصّة داخله, كان يأمل ألّا يكون ذلك صحيحاً, ولكنه كذلك.

"هل تعرف من قام بهذا الفعل الرهيب يا مولاي؟" سأل تور ذلك السؤال الذي ظلّ يدور في عقله منذ أن رأى ذلك الحلم. لم يكن يتخيل من الممكن أن يقوم بقتل الملك, أو لماذا يقوم بذلك.

"لقد رأيت وجهه, إنه وجه أعرفه جيداً, ولكن لسببٍ ما, لم أستطع تحديده."

التفت الملك ونظر إلى تور.

"هذا لا يهم الآن, لقد حانت منيّتي. سواءً كان ذلك عن طريقه أو عن طريق أحدٍ آخر. ستبقى النهاية نفسها," قال ذلك ثمّ مدّ يده مرة أخرى وشدّ على معصم تور بقوةٍ فاجأته. "ما يهم الآن هو ما سيحدث بعد رحيلي, ستكون مملكتنا بلا ملك."

نظر ماكجيل إلى تور نظرةً حادة لم يفهمها. لم يكن يعرف بالضبط ما الذي كان ماكجيل يقوله, وما الذي كان يشير إليه. أراد تور أن يسأل, ولكنه رأى كيف أنّ ماكجيل يلتقط أنفاسه بصعوبة, ولم يكن يريد أن يخاطر بمقاطعته.

"كان أرجون محقاً بشأنك," قال وهو يترك يده ببطء. "قدرك سيكون أكبر مني بكثير."

شعر تور بقشعريرة تسري خلال جسده وهو يسمع كلمات الملك. قدره؟ أكبر من قدر الملك؟ كانت مجرد فكرة أن الملك كلّف نفسه عناء مناقشة أمر تور مع أرجون, يصعب عليه فهمهما. وما الذي يمكن أن يعنيه بحقيقة أن مصير تور وقدره سيكون أكبر من قدر الملك. هل كان الملك ماكجيل يهلوس في لحظاته الأخيرة تلك؟

"لقد اخترتك.. لقد اخترتك كي تكون من عائلتي لسببٍ محدد. هل تعرف ما هو هذا السبب؟"

أومأ تور برأسه بالنفي, يريد ان يعرف ذلك بشدة.

"ألم تعرف لماذا أردتك أن تكون هنا, فقط أنت, في لحظاتي الأخيرة؟"

"أنا آسف يا مولاي," قال تور وهو يهزّ رأسه. "لا أعرف."

ابتسم ماكجيل بضعف, وبدأت عيناه تنغلقان.

"هناك أرضٌ كبيرة, بعيداً من هنا. خلف البراري, وحتى خلف أرض التنين. إنها أرض الدرويدس, حيث تنحدر أمك. يجب عليك أن تذهب إلى هناك كي تحصل على الإجابات."

توسّعت عينا الملك وهو يحدق بتور بشدةٍ لم يستطع تور فهمها.

"مملكتنا تعتمد عليك," أنت لست كالآخرين, أنت خاص. وحتى تفهم من أنت, لن تنعم مملكتنا بالرخاء أبداً."

أخذت عيون ماكجيل تنطبق وأنفاسه تزداد صعوبة, أصبح كل نفس يحتاج لحظات حتى يخرج. بدأت قبضته تضعف على معصم تور, وشعر تور بدموعه تنهمر بشدّة. عقله كان يحلّل كل ما قاله الملك, وهو يحاول أن يفهم كل ذلك. لم يكن يستطيع التركيز أبداً. هل سمع كل ذلك بشكل صحيح؟

بدأ ماكجيل بمحاولة قول شيءٍ ما, ولكنه صوته كان كالهمس, لم يستطع تور أن يسمع ذلك. انحنى تور إلى قرب الملك, كي تصبح أذنه قريبةً من فم الملك.

حاول الملك رفع رأسه للمرة الأخيرة, وقال بمحاولةٍ أخيرة:

"انتقم لي."

ثمّ فجاةً, تيّبس جسده. رقد هناك لعدة لحظات, ثمّ مال رأسه إلى الجانب وفُتحت عيناه بشدّة, كان متجمداً في مكانه.

"لا!" صاح تور عالياً.

كان صراخه عالياً كفاية كي يسمعه الحراس جميعاً, لأنه خلال لحظات, سمع الباب يفتح بشدة, وسمع ضجيج عشرات الناس تسرع إلى الغرفة. وأدرك تور باللاوعي أن هناك حركةً في كافة الأنحاء حوله. سمع من بعيد أجراس القلعة تقرع, مراراً وتكراراً. كان يحسّ بصوت الأجراس تقرع داخل رأسه, ويشعر بالدم يغلي داخله. ولكن خلال لحظات أصبح كل شيءٍ ضبابياً, وشعر بالغرفة تدور به.

كان تور قد بدأ يغمى عليه, ثمّ سقط ككتلةٍ واحدةٍ على الأرض الحجرية.




الفصل السادس


هبّت بعض الرياح على وجه غاريث الذي كان ينظر إلى الأعلى, محاولاً أن يحبس دموعه تحت ضوء شمس الباهت. كان النهار قد بدأ للتو ولكن الشمس لم تصل بعد إلى هذه البقعة النائية على أطراف منحدرات كلوفيان, اجتمع هناك المئات من عائلة الملك والأصدقاء والأشخاص المقربين من العائلة الملكية, على أمل المشاركة في الجنازة. وخلفهم بقليل, خلف جنود الجيش الذين كانوا يقفون خلفهم, استطاع غاريث أن يرى جموع الناس تتدفق بالآلاف كي يشاهدوا الجنازة من بعيد. كان الحزن حقيقياً على وجوههم, كان والده محبوباً وكان ذلك لا شكّ فيه.

وقف غاريث مع بقية أفراد عائلته, على شكل نصف دائرة حول جثة والده, الذي كان ملقاً على ألواح معلقة بالحبال فوق حفرةٍ في الأرض, في انتظار أن يتم إنزال الجثة. وقف أرجون أمام الحشود مرتدياً عباءته القرمزية التي كانت مخصصة من أجل الجنائز, كانت تعابير وجهه مبهمة وهو ينظر إلى الأسفل باتجاه جثة الملك, كان غطاء العباءة يحجب وجهه. قام غاريث بالكثير من المحاولات اليائسة لتحليل ملامح وجه أرجون, كي يحلل مدى معرفته بالأمر. هل عرف أرجون أنه قام بقتل والده؟ وإذا كان كذلك, هل سيخبر الأخرين بذلك أم سيترك القدر يحكم الأمر؟

ولسوء حظ غاريث, فقد قام ذلك الفتى المزعج, تور, بتبرئة نفسه من الإدانة. ومن الواضح أنه لن يتمكن من طعن والده بينما كان داخل الزنزانة. ناهيك عن أن الملك قد قال بنفسه للآخرين بأن تور كان بريئاً. مما جعل الأمر يزداد سوءاً بالنسبة لغاريث. وقد تمّ تشكيل مجلس مخصص من أجل هذه المسألة, من أجل التدقيق في كل تفاصيل عملية اغتيال الملك. كان قلب غاريث يخفق بشدة وهو يقف هناك مع الآخرين, يحدق في جثة والده التي كانت على وشك إنزالها إلى باطن الأرض. كان يريد أن يذهب معها إلى الأسفل.

لقد كانت مسألة وقت حتى يستطيع المجلس أن يصل إلى فيرث, وعندها سوف يقع معه. كان يجب عليه أن يتحرك بسرعة كي يلفت الأنظار إلى شيءٍ آخر, كي يلصق الأمر بشخصٍ آخر. تساءل غاريث إذا كان المحيطون به يشتبهون به. على ما يبدو أنها كانت مجرد مخاوف تحوم داخل رأسه, فبينما كان يعاين وجوه الحضور لم يرى أيّ شخصٍ ينظر إليه. كان يقف هناك إخوته, ريس و غودفري و كندريك, وأخته جويندولين, وأمه التي كان وجهها مليئاً بالأسى وهي تنظر إلى جثة زوجها. في الواقع منذ وفاة والده أصبحت شخصاً مختلفاً, بالكاد كانت قادرةً على الكلام. لقد سمع أنه حصل شيءٌ ما داخلها عندما تلقت الخبر, شيءٌ يشبه الشلل. كان نصف وجهها جامداً, وعندما تفتح فمها, كانت الكلمات تخرج منها بطيئةً جداً.

تمعّن غاريث بوجوه المجلس الملكي الذين كانوا يقفون خلفها. القائد العام بروم وقائد الفيلق كولك, وخلفهم يقف مستشارو والده الذين يصعب عدهم. كان حزنهم جميعاً مُختلق, ولكن غاريث كان يعرفهم بشكلٍ أفضل. كان يعرف أنّ كلّ هؤلاء الناس, أعضاء المجلس والمستشارون والقادة وجميع النبلاء بالكاد يهتمون لهذا الأمر. كان يستطيع أن يرى الطموح على وجوههم, شهوة السلطة. وبينما كان الجميع يحدق إلى الأسفل باتجاه جثة الملك, شعر بأنّ الجميع يتساءل عمّن يمكن أن يستولي على العرش بعد ذلك.

كان الاعتقاد الغالب بأن غاريث سيحصل على ذلك. ما الذي سيحصل في أعقاب هذا الاغتيال الفوضوي؟ لو كان ذلك الأمر نظيفاً وبسيطاً, ومسؤولية الاغتيال وقعت على شخصٍ آخر, فعندها ستكون خطة غاريث محكمة, وسيتمكن من الحصول على العرش بسهولة. فرغم كل شيء, كان الابن الأول للملك, الابن الشرعي. كان والده قد أعطى السلطة لجويندولين, ولكن أحداً لم يحضر ذلك الاجتماع, باستثناء إخوته, ولن تتحقق أمنياته أبداً. كان غاريث يعرف أعضاء المجلس, ويعرف مدى التزامهم بالقوانين. و بدون مصادقتهم على الأمر لن تكون أخته ملكة أبداً.

وإذا تمّ اتخاذ الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها, وكان غاريث عازماً على التأكد من حصول هذا الأمر, فسيقع الاختيار عليه بالتأكيد. كان ذلك هو القانون.

هل من الممكن أن يقوم إخوته بمنافسته على الحكم, من الممكن أن يقوموا بتذكر اجتماعهم مع والدهم, وربما يصرون على أن تصبح جويندولين الملكة. بالنسبة لكندريك فلن يحاول الوصول إلى السلطة, كان نقي القلب جداً. وغودفري كان غير مبالٍ بالأمر, وريس كان صغيراً على ذلك أيضاً. كانت جويندولين هي التهديد الحقيقي الوحيد. ولكن غاريث كان يشعر بالتفاؤل بالنسبة لهذا الأمر: فهو لا يعتقد بأن المجلس كان مستعداً لقبول امرأةٍ صغيرة بأن تصبح حاكمةً لـ "الطوق". ومن دون مصادقة الملك عليها, فسيكون لديهم عذرٌ مثالي لرفضها.

كان التهديد الحقيقي الوحيد الذي بقي في اعتبار غاريث هو كندريك. فرغم كل شيء, كان غاريث مكروهاً من الجميع بينما كان كندريك محبوباً من قبل الجميع وبين كل الجنود. وبالنظر إلى الظروف فقد كان هناك احتمالٌ دائماً بأن يقوم المجلس بتسليم العرش إلى كندريك. كلما استطاع غاريث الوصول إلى السلطة بسرعة, كلما توسعت صلاحياته من أجل تخفيف خطر كندريك.

شعر غاريث بالحبل يجري داخل راحة يده, ونظر إلى الأسفل لرؤية الحبل المعقود على يده. أدرك غاريث بأنهم بدأوا بإنزال نعش والده. نظر حوله ورأى إخوته الآخرين يمسكون بالحبل وينزلونه ببطء. كان حبل غاريث هو الحبل الأخير, حيث كان متأخراً عن إخوته في إنزال الحبل, انخفض غاريث قليلاً وأمسك الحبل بيده الأخرى وأنزله بسرعة حتى وصل أخيراً إلى المستوى المطلوب. كان من سخرية القدر أنه حتى في الموت لم يتمكن من إرضاء والده.

قُرعت الأجراس من مسافةٍ بعيدة, قادمةً من القلعة. تقدم أرجون عدة خطواتٍ إلى الأمام وقام ببسط كفه فوق النعش.

"إيتسو أومينوس دومي كو ريسيبيا... "

لغة الطوق المفقودة, إنها اللغة الملكية, المستخدمة من قِبل أسلاف العالة الملكية لألف سنة. لقد كانت اللغة التي قام معلمون متخصصون بحشرها داخل رأس غاريث عندما كان صغيراً, وهي اللغة التي سيحتاجها من أجل توليه السلطة الملكية.

توقف أرجون فجأةً, نظر إلى الأعلى وحدّق مباشرةً باتجاه غاريث. لقد أرسلت تلك النظرة قشعريرةً سرت داخل غاريث, بينما بدت عيون أرجون الشفافة تحترق وهي تنظر مباشرةً باتجاهه. مسح غاريث وجهه وتساءل إذا كانت المملكة بكاملها تشاهد ذلك, وإذا كان هناك أحدٌ ما يعلم ما تعنيه تلك النظرة. في تلك النظرة, كان يرى أن أرجون يعلم تورطه في الأمر. هل سيبقى أرجون غامضاً كعادته, ويرفض التدخل في التحولات والانعطافات المتعلقة بمصير الإنسان. هل سيبقى صامتاً؟

"لقد كان ملكنا ماكجيل ملكاً صالحاً وعادلاً," قال أرجون ببطء, كان صوته عميقاً وإلهياً.

"لقد جلب الفخر والعز لأسلافه, والغنى والسلام لهذه المملكة على عكس ما كنا نعرفه من قبل. لقد انتهت حياته قبل أوانها, حيث سيكون عند الرب بعد ذلك. ولكنه ترك خلفه إرثاً غنياً وعميقاً, والأمر متروك لنا لتحقيق هذا الإرث."

توقف أرجون قليلاً.

"مملكتنا محاطةٌ بالتهديدات المشؤومة والخطيرة من جميع الأطراف. خلف وادي كانيون, المحمي فقط بطاقة الدرع, يقع أممٌ من الهمج والمخلوقات التي يمكن أن تمزقنا إرباً. وداخل الطوق وعلى الجانب الآخر من المرتفعات, يوجد العشيرة التي من الممكن أن تلحق بنا الأذى. نحن نعيش في رخاءٍ وسلام لا مثيل له, ولكن الآن أصبح أمننا زائلاً.

"لماذا تأخذ منا الآلهة رجلاً في ذروة قوته, الملك الجيد والحكيم والعادل؟ لماذا كان مصيره أن يُقتل بهذه الطريقة؟ نحن جميعاً مجرد دمى في يد القدر. وحتى في ذروة قوتنا يمكن أن نصبح في الحضيض في نهاية الأمر. السؤال الذي يجب أن نعمل عليه الآن, ليس ما الذي نسعى إليه, ولكن من الذي نسعى أن نكون."

أخفض أرجون رأسه, وشعر غاريث بكفيه تحترق وهم ينزلون النعش إلى نهاية الحفرة. لقد بلغ أخيراً أرض تلك الحفرة.

"لا!" جاءت صرخةٌ عالية.

لقد كانت جويندولين, ركضت بشكلٍ هستيري باتجاه حافة الحفرة تريد أن ترمي نفسها داخلها. ركض ريس بسرعة باتجاهها وأمسكها, وسحبها إلى الخلف. وتقدم كندريك لمساعدته.

ولكن غاريث لم يشعر بأي تعاطف من أجلها, وبدلاً من ذلك شعر بأنها تشكل خطراً عليه. إذا أرادت أن تكون تحت الأرض مع أبيها, فيمكنه أن يحقق لها ذلك.

نعم, في الواقع يمكنه ذلك.

*

وقف تور على بعد عدة أقدامٍ فقط من جثة الملك ماكجيل, يشاهد جثته وهي تنزل إلى باطن الأرض. لقد شعر بأنها تطوف في هذا الأفق البعيد, على حافة المملكة العالية هذه, لقد اختار الملك مكاناً رائعاً كي يدفن فيه, مكاناً سامياً, لقد بدا وكأنه يسبح داخل الغيوم. كانت الغيوم تتلون بألوان برتقالية وصفراء وخضراء ووردية, مع ارتفاع الشمس التي تزحف إلى وسط السماء. ولكن اليوم كان مغطاً بالضباب الذي بدا أنه لن يذهب, وكأن المملكة كانت تعلن الحداد بنفسها. وكان كروهن يأنّ بجانبه.





Конец ознакомительного фрагмента. Получить полную версию книги.


Текст предоставлен ООО «ЛитРес».

Прочитайте эту книгу целиком, купив полную легальную версию (https://www.litres.ru/pages/biblio_book/?art=43698175) на ЛитРес.

Безопасно оплатить книгу можно банковской картой Visa, MasterCard, Maestro, со счета мобильного телефона, с платежного терминала, в салоне МТС или Связной, через PayPal, WebMoney, Яндекс.Деньги, QIWI Кошелек, бонусными картами или другим удобным Вам способом.



سلسلة «„طوق الساحر“» لديها كل المقومات لتحقيق النجاح: المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة. سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. أوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية.""

– ناقد الأفلام والكتب: روبرتو ماتوس.

مسيرة الملوك يأخذنا خطوة أخرى في رحلة تور الملحمية في الرجولة, في وقت يبدأ فيه بتحقيق المزيد لنفسه, ماهي قوته, بينما سيبدأ ليصبح محارباً. بعد أن يهرب تور من الزنزانة, ترعبه معرفة شخص آخر حاول اغتيال الملك ماكجيل. عندما يموت ماكجيل. تصبح المملكة في حالة من الفوضى. حين يتنافس الجميع للعرش, تزداد القصص الدرامية في بلاط الملك أكثر من أي وقت مضى, ويزداد الصراع على السلطة والطموحات والغيرة والعنف والخيانة. يجب اختيار وريث من بين الأولاد, وسيف القدر الاسطوري, مصدر كل قوتهم, سيكون لدى شخص جديد الفرصة للسيطرة عليه. ولكن يمكن لكل هذا أن ينقلب: يتم استعادة سلاح الجريمة, ويضيق الخناق على القاتل. في نفس الوقت يواجه الماكجيل تهديداً جديداً من ماكلاود, الذين يستعدون للهجوم مرة أخرى داخل الطوق. تور يحارب لاستعادة حب جويندولين, ولكن قد لا يكون هناك وقت: أمر أنه يحزم أمتعته, ليكون في الجيش مع إخوانه لمائة يوم, مائة يوم قاسية في الجحيم يجب على أفراد الفيلق البقاء فيها عبى قيد الحياة. سيكون على الفيلق عبور وادي كانيون, إلى المنطقة وراء حماية الطوق, في البراري والإبحار في بحر تارتوفيان لجزيرة ميست, التي قيل أنه يحرسها تنين, لأجل دخولهم في مرحلة الرجولة والشجاعة. هل سيستطيعون العودة؟ وهل ستنجو الطوق في غيابهم؟ وهل سيعلم تور أخيراً مصيره؟ بتطورات هذه القصة الخيالية وخلق شخصياتها, مسيرة الملوك هي حكاية ملحمية عن الأصدقاء والمحبين, للمنافسين والخاطبين, للفرسان والتنانين, للمؤامرات والمكائد السياسية, عن بلوغ سن الرشد وعن القلوب المكسورة والخداع والطموح والخيانة. إنها حكاية شرف وشجاعة, عن القضاء والقدر وعن الشعوذة. هو الخيال الذي سينقلنا إلى عالم لن ننساه أبداً وسيجذب جميع الأعمار والأجناس. كتاب # 2 – # 13 في سلسلة متاحة الآن أيضا!

Как скачать книгу - "مسيرة الملوك" в fb2, ePub, txt и других форматах?

  1. Нажмите на кнопку "полная версия" справа от обложки книги на версии сайта для ПК или под обложкой на мобюильной версии сайта
    Полная версия книги
  2. Купите книгу на литресе по кнопке со скриншота
    Пример кнопки для покупки книги
    Если книга "مسيرة الملوك" доступна в бесплатно то будет вот такая кнопка
    Пример кнопки, если книга бесплатная
  3. Выполните вход в личный кабинет на сайте ЛитРес с вашим логином и паролем.
  4. В правом верхнем углу сайта нажмите «Мои книги» и перейдите в подраздел «Мои».
  5. Нажмите на обложку книги -"مسيرة الملوك", чтобы скачать книгу для телефона или на ПК.
    Аудиокнига - «مسيرة الملوك»
  6. В разделе «Скачать в виде файла» нажмите на нужный вам формат файла:

    Для чтения на телефоне подойдут следующие форматы (при клике на формат вы можете сразу скачать бесплатно фрагмент книги "مسيرة الملوك" для ознакомления):

    • FB2 - Для телефонов, планшетов на Android, электронных книг (кроме Kindle) и других программ
    • EPUB - подходит для устройств на ios (iPhone, iPad, Mac) и большинства приложений для чтения

    Для чтения на компьютере подходят форматы:

    • TXT - можно открыть на любом компьютере в текстовом редакторе
    • RTF - также можно открыть на любом ПК
    • A4 PDF - открывается в программе Adobe Reader

    Другие форматы:

    • MOBI - подходит для электронных книг Kindle и Android-приложений
    • IOS.EPUB - идеально подойдет для iPhone и iPad
    • A6 PDF - оптимизирован и подойдет для смартфонов
    • FB3 - более развитый формат FB2

  7. Сохраните файл на свой компьютер или телефоне.

Книги серии

Книги автора

Аудиокниги автора

Рекомендуем

Последние отзывы
Оставьте отзыв к любой книге и его увидят десятки тысяч людей!
  • константин александрович обрезанов:
    3★
    21.08.2023
  • константин александрович обрезанов:
    3.1★
    11.08.2023
  • Добавить комментарий

    Ваш e-mail не будет опубликован. Обязательные поля помечены *